‏في اليوم العالمي للسرطان

في مثل هذا اليوم من كل سنة، يقف البشر في جميع أنحاء العالم بخوف وخشوع أمام «إمبراطور الأمراض»، ويسألون: أين نحن من القضاء على هذا المرض؟ وإلى متى سيبقى هذا المرض يهدد حياتنا ويزرع الخوف في قلوبنا؟ وأي تقدم أحرزه العلم في السنوات الأخيرة؟

‏إن المعرفة العلمية التي نمتلكها اليوم تُمكننا من شفاء 65 في المائة من جميع المرضى المصابين بالأمراض السرطانية. كما تُمكِّننا من وقاية 70 في المائة من الإصابات بهذه الأمراض. إلا أن المرضى المصابين بحالات متقدمة من المرض، تهبط عندهم نسبة الشفاء التام هبوطاً ملحوظاً. وتتوقف نسبة الهبوط عندهم على نوع المرض السرطاني وعلى جودة العلاج. وها قد جئنا اليوم، وبمناسبة اليوم العالمي للسرطان، نتكلم عن أهمية جودة العلاج، وعن المفاهيم الجديدة التي تشكل انقلاباً على الفكر التقليدي لمعالجة الأمراض السرطانية، وتقود إلى ارتفاع كبير في نسبة الشفاء.

 

‏المفهوم الأول: إن الخلايا السرطانية في المريض الواحد هي على عكس ما كنَّا نعتقد. فإنها ليست من نوع واحد، بل هي تختلف في الشكل والوظيفة، كما تختلف في التجاوب للعلاج. بعضها قد يتجاوب مع العلاج الكيميائي، وبعضها قد يتجاوب مع العلاج المناعي، والبعض الآخر قد يتجاوب مع العلاج المستهدف. لذا، فمن المنطق أن نعالج المريض بمزيج من هذه العلاجات الثلاثة. وها قد أثبتت الأبحاث العلمية الحديثة أن هذا المزيج يقتل عدداً أكبر بكثير من الخلايا السرطانية نسبةً إلى العلاج التقليدي الذي يستخدم نوعاً واحداً من هذه العلاجات؛ وبالتالي فهو يُحدث ارتفاعاً كبيراً في نسبة الشفاء. هذه العلاجات الثلاثة تقتل الخلية السرطانية بطرق مختلفة. فبينما يقتل العلاج الكيميائي الخلية السرطانية كما يقتل الخلية الصحيحة، فالعلاج المستهدف يستهدف الخلية السرطانية وحدها دون غيرها. أما العلاج المناعي فيعمل بواسطة تحفيز جهاز المناعة عند المريض بحيث يصبح هذا الجهاز قادراً على التعرف على الخلية المريضة وتدميرها.

 

‏والمفهوم الثاني: هو أنه ليس هناك مريضان بالسرطان يصابان بالمرض نفسه. فالمرض في المريض الواحد يختلف جذرياً عن المرض في المريض الآخر؛ حتى لو كان المرض ناشئاً من نفس العضو في الجسم، ويحمل نفس التشخيص الميكروسكوبي التشريحي (anatomical diagnosis). لقد تعلمنا أن تحديد المرض بهويته البيولوجية وعلى مستوى الخلية أهم من تحديد المرض بمظهره تحت المجهر. كما تعلمنا أن الهوية البيولوجية للمرض فريدة من نوعها، وأنه ليس هناك مريضان يحملان نفس الهوية. هذا يقودنا إلى رؤية جديدة تؤمن بأن معالجة المئات من المرضى بنفس العلاج أمر غير منطقي. وهنا يكمن لُبُّ الانقلاب على الاستراتيجية التقليدية للمعالجة. في الاستراتيجية الجديدة، يصمَّم العلاج على قياس المريض الفرد وعلى قياس نوع المرض عند هذا المريض. وفي الاستراتيجية الجديدة أيضاً يعالَج كل مريض بمزيج من العلاجات الثلاثة، ولكنه على الرغم من ذلك يكون العلاج مختلفاً بين مريض وآخر؛ إذ إن كل نوع من العلاجات الثلاثة يمتلك عدداً كبيراً من الأدوية المختلفة. إن لُبَّ الانقلاب هو أنه ليس هناك مريضان يعالجان بنفس العلاج. هذا المنحى من العلاج الذي يركز على الهوية البيولوجية سيصبح المستقبل، أما العلاج الذي يركز على الهوية الميكروسكوبية (anatomical diagnosis) فقط، سيصبح من الماضي. بالإضافة إلى ذلك هذه الاستراتيجية يمكن استعمالها في معالجة جميع الأمراض السرطانية، عدا سرطان الدم. وها قد أثبتت الأبحاث الحديثة أنه في كل مرض استُعملت فيه هذه الاستراتيجية كانت نتيجة التجاوب لها أفضل بكثير من نتيجة العلاجات التقليدية.

 

‏ والمفهوم الثالث: هو أن الطبيب يجب أن يعالج مريضه بما يراه أفضل علاج له، وليس بما يراه العلاج القابل للتعويض من شركات الضمان الصحي الذي يعد العلاج التقليدي المفضَّل وما يُعرف باللغة الإنجليزية بـ«standard therapy». إن العلاج الأخير قد يكون علاجاً فعالاً، ولكنه قد لا يكون بالضرورة أفضل علاج. السر هو أنه في معالجة الأمراض السرطانية قد يكون الفرق بين أفضل علاج والعلاج التقليدي هو الفرق بين الحياة والموت. وهناك مشكلة كبرى، إذ إن الأطباء يترددون في استعمال أفضل علاج لأن شركات التأمين قد لا توافق عليه، ولذا لا تغطي النفقات المالية له. يجب أن نتذكر أن الهدف الأساسي لشركات التأمين هو الربح المالي وليس شفاء المريض. ولذا فهي تفتش دائماً عن ذرائع لتجنب دفع النفقات الباهظة المتوجبة أحياناً في العلاج الأفضل. عندما كنت عضواً في لجنة استشارية صحية للرئيس بوش الأب، حاولت جاهداً تحرير الطبيب من طغيان شركات التأمين إلا أنني اكتشفت أن هذه الشركات أقوى من الدولة. ويتردد الأطباء في استعمال أفضل علاج لأنه قد يكون سبباً لإقامة دعاوى قضائية ضدهم. ففي الولايات المتحدة الأميركية قد يتعرض الطبيب لدعوى قضائية ضده من المريض أو أهله عندما يستعمل علاجاً خارج منظومة ما يسمى «standard therapy».

 

‏هذا هو الانقلاب. وهذه هي الطريق لإعطاء المريض المصاب بالسرطان وهو في الحالات المتقدمة منه، أفضل فرصة للشفاء التام: استعمال المزيج الثلاثي، وتصميم العلاج على شخص المريض ونوع السرطان المصاب به، واختيار ما يراه الطبيب أفضل علاج متوفر.

 

‏إن أهم حق للإنسان هو الحق في أن يحيا. والحق في الحياة يمر بالحق في الصحة، إذ إن الصحة هي البوابة للحياة. إن كل الحقوق التي جاءت في شرعة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان تذبل أمام حق الإنسان في الحياة. هذا الحق يجب أن يكون أولوية سلم الأولويات لأي دولة في العالم. آلاف من البشر يموتون كل يوم لأنهم لا يملكون هذا الحق، والذريعة دائماً هي عدم توفر المال لدعم هذا الحق. يقولون إنه لا مال كافياً عندهم لدعم الإنسان في صراعه ضد المرض، ولكنهم بالطبع يملكون فائض المال لصنع وشراء أكثر الأسلحة دماراً لقتل الإنسان وشن الحروب. فمتى يا ترى يأتي إلى هذا العالم قادة يؤمنون بأن القوة هي في إحياء الإنسان وإعلاء شأنه، لا في إذلاله وقتله؟ لقد جاء في القرآن: «… مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا».

 

المصدر: الشرق الاوسط

شاهد أيضاً

أدوية تخسيس جديدة تشعل الأسواق..

لاحظ تحليل للسوق طُرح خلال مؤتمر “إيمكاس” للأمراض الجلدية والجراحات التجميلية الذي اخُتُتِم السبت في …