وقّع لبنان في التاسع من شباط الماضي أولى اتفاقياته النفطية مع ائتلاف شركات دولية يضم توتال الفرنسية وإيني الإيطالية ونوفاتك الروسية، للتنقيب عن النفط والغاز في البلوكين 4 و 9 في مياهه الإقليمية. على أن تبدأ عمليات حفر أول بئر نفطي في عام 2019 . انطلاق المسار النفطي اللبناني لم يرق للعدو الإسرائيلي الذي زعم أنّ له الحق في جزء من مساحة البلوك التاسع، وراح يهول على الشركات للإحجام عن التنقيب. اليوم أين أصبح المسار النفطي؟ هل خضعت الشركات للضغوط الإسرائيلية وتراجعت؟ أم ستبدأ عمليات التنقيب وفق مقتضيات العقد في العام الذي تفصلنا عنه أيام قليلة؟
مستشار لجنة الطاقة النيابية الخبير النفطي الدكتور ربيع ياغي لفت إلى تعديل بسيط طرأ على برنامج العمل مع الشركات نتج عنه تأخير لأشهر فقط. وبموجبه تبدأ الشركات عمليات الحفر في البلوك رقم 4 عام 2019 ، وفي البلوك رقم 9 عام 2020، وفي هذا الوقت يُصار الى تحضير الارضية إداريًا وماليًا ولوجستيًا. ولكن بقي العمل ضمن المهلة الزمنية المتفق عليها أي في 2019، ولكن في الأشهر الأخيرة منه بدلًا من الأولى .
ياغي وفي حديث لـ “لبنان 24” أوضح أنّ التهديدات الإسرائيلية ليست بجديدة، وائتلاف الشركات لا بدّ وأنّه درس الموضوع من كلّ جوانبه الجيو سياسية قبل التوقيع، وبالتالي تأخذ الشركات بالإعتبار المخاطر ومدركة لها بالنسبة لايّ بلوك، فكيف بالنسبة الى البلوك رقم 9 ، كونه بمحاذاة الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة.
أضاف ياغي: “بالنهاية البلوك 9 ليس مباشرة على الحدود، والنقطة التي سيبدأون الحفر فيها تبعد عن الحدود مسافة 25 كلم ، وهي شمال البلوك 9 وليس جنوبه، وبالتالي عمليات الحفر بعيدة عن خطوط التماس مع العدو الإسرائيلي. بالمقابل اسرائيل لم تبعد عن حدودنا في الحفر في حقل كاريش سوى 4 كلم فقط، وفق العقد الذي وقعته مع شركة إنرجين اليونانية ، على أن تبدأ عمليات الحفر في آذار 2019. وبالتالي يكون لبنان قد ابتعد مسافة 25 كلم عن النقطة المتنازع عليها واسرائيل ابتعدت 4 كلم فقط”.
هل يعني ذلك أن اسرائيل نجحت في ترهيب الشركات؟
يجيب ياغي: “ليست مسألة نجاح، أمر اختيار النقطة التي سيبدأ لبنان الحفر فيها يعود لتحالف الشركات بقيادة توتال، ففي العقد لا شيء يلزم توتال في أيّ نقطة تبدأ الحفر ولا يمكننا وفق العقد أن نحدد نحن النقطة، يمكن لها أن تقول إن المعطيات التي املك تشير إلى معطيات واعدة في شمال البلوك 9 ، الذي يبعد 25 كلم عن الحدود. ولا يمكن لنا أن نعرف ما إذا كانت هذه المعطات علمية أم نتيجة الضغوط الإسرائيلية “.
ياغي وبصرف النظر عن هذه الثغرة في العقد، والتي تعطي الشركة حق اختيار المكان داخل البلوك، يشدّد على وجوب أن يتمسك لبنان بالحفر في أقصى جنوب البلوك 9 وليس في أقصى شماله. “نتكلم عن طبقة جيولوجية متجانسة بين لبنان والاراضي الفلسطينية المحتلة، وبرأي المتواضع بما أنّها جيولوجيا واحدة، يجب أن نبدأ الحفر بالإقتراب من الحدود أكثر، وليس بالإبتعاد مسافة 25 كلم، لذا أؤيد سياسة الضغط وليس التراخي وصولًا لإقناع الشركات بالحفر بجنوب بلوك 9 وليس بشماله “.
اسرائيل التي تزعم حقوقًا لها في البلوك التاسع وتمارس ضغوطًا، تعمد في حقل كاريش إلى نهب أي حصة للبنان يوضح ياغي “يعتقد أنّ حقل كاريش شمال فلسطين له امتداد داخل المياه الإقليمية اللبنانية. وتحاول اسرائيل الحصول وحدها على كامل الثروة الموجودة في هذا الحقل، والمقدرة بـ 3 ترليون قدم مكعب من الغاز، وكمية كبيرة من النفط الخفيف، بصرف النظر عن كون هذا الحقل قد يحوي ثروات مشتركة مع لبنان، من هنا تحاول اسرائيل إرهاب الشركات التي وقعت مع لبنان لعدم الإقتراب من هذه المنطقة “.
وكون هذه المنطقة تحوي مخزونًا مشتركًا، كان لياغي رأي بوجوب أن يتحرك لبنان باتجاه الشركة اليونانية التي أخذت الإمتياز للحفر في حقل كاريش، وباتجاه الحكومة اليونانية للضغط على الشركة المذكورة، ليحفظ لبنان حقّه من الثروة حسب الاعراف والقوانين الدولية في منطقة يمكن أن تحوي ثروات طبيعة مشتركة .
أضاف ياغي “هذا التحرك لا زال بالإمكان القيام به على مستوى وزارتي الخارجية والطاقة وهيئة إدارة قطاع البترول، من خلال توجيه رسالة احتجاج أو تحذير أو إنذار، مفادها أنّ لبنان يحتفظ بحقه من الثروة المشتركة، بدلًا من السكوت حيال الممارسات الإسرائيلية”.
في أي حال المسار النفطي اللبناني يسير ببطء كبير، بحيث أنّ اسرائيل قامت بالحفر والوصول إلى آبار النفط خلال سنة وشهر وقبرص خلال سنة ونصف، بحسب ناطق باسم منظمة اوبك، في حين أنّ لبنان لن يستخرج الغاز والنفط قبل العام 2026 . وبرأي ياغي المناكفات والتجاذبات في لبنان منذ 2006 كان لها التأثير المباشر على جذب الاستثمارات في القطاع النفطي وعلى مجمل مسار العمل، وبالتالي الأنشطة البترولية بطيئة لأنّ القرار السياسي إمّا غائب او بطيء. “فالنفط له وجهان وجه عملاني تقني ووجه سياسي وجيو سياسي، والقرار السياسي بلبنان كونه خاضع للمساومات ينعكس تأخرا في الانشطة النفطية، الوقت ليس لصالحنا، فاسرائيل بدأت بالتزامن مع لبنان في عمليات المسح الجيولوجي للمياه الاقتصادية الخالصة، ولديها منذ العام 2013 إنتاج تجاري وشبه اكتفاء بالسوق المحلي، ونحن لم نبدأ بعد وهي تسبقنا بـ 12 سنة أقله”.
إذن هذه الثروة الموعودة التي يعول عليها لبنان في مرمى المطامع الإسرائيلية، ولبنانالسياسي متلهي بوزير من هنا وثلث معطل من هناك. وإلى أن تصبح المصلحة الوطنية العليا فوق اعتباراتهم الشخصية تصبحون على وطن نفطي .