كانت الحفلات التي نظمتها فرقة “آيرون ميدن” عام 1984 في بولندا والمجر بمثابة اختراق تاريخي للستار الحديدي. أصبحت عروضهم رمزاً للأمل والوحدة، وجسرت الانقسامات بين الشرق والغرب بروح موسيقى الروك التحررية
كانت هناك كميات من الكافيار كافية لملء أحواض استحمام وفودكا لتحويل العالم إلى مكان رائع وصلبان معقوفة مخفية، وحفلات زفاف مرتجلة، وفي كل مكان ذهبت إليه “آيرون ميدن” Iron Maiden، كان هناك هوس بها. عندما أصبحت “آيرون ميدن” أول فرقة روك غربية تقدم عرضاً كاملاً خلف الستار الحديدي خلال جولة “عبودية العالم” World Slavery التي أقامتها عام 1984، دخل أعضاؤها عالماً من الهستيريا والاحتفال والفقر والقمع “الكاشفين”. ما مهمتهم؟، أن يزيلوا معاناة الناس من خلال موسيقى الروك.
يقول المغني بروس ديكنسون “في ذلك الوقت، كان الستار الحديدي ما زال منيعاً والذهاب إلى هناك قد يمكّننا من جعل عدد كبير من الناس سعداء حقاً”، متذكراً خلال حديث إلى “اندبندنت” تلك الجولة المفصلية التي تصادف هذا الأسبوع ذكرى مرور 40 عاماً على انطلاقها، إذ حملت الفرقة إلى ست مدن في بولندا والمجر منصة مثقلة بالأكسسوارات الداعمة، بما فيها دمية محنطة بطول 30 قدماً على هيئة شخصية “إيدي” التي اتخذتها الفرقة تميمة لها، للترويج لألبومها “عبد السلطة” Powerslave الصادر عام 1984. يضيف ديكنسون: “لم يكُن ذلك فعلاً سياسياً على الإطلاق. كان عملاً للترفيه عن بعض المعجبين. يمكنك أن تصفه بأنه تصرف سياسي. عندما كنت طالباً جامعياً، لم يكُن هناك شيء يُسمى فعلاً غير سياسي. حتى التبول، كان يمكن اعتباره عملاً سياسياً، بناء على المكان الذي فعلته فيه. [لكن] الناس يريدون الاستمتاع فقط أحياناً. يرغبون في هز رؤوسهم على أنغام الروك فحسب. لهذا السبب ذهبنا إلى هناك”.
ومع ذلك، فإن غزو فرقة “آيرون ميدن” لأوروبا الشرقية كان يرمز إلى شرارة أمل في الوحدة والتفاهم بين الثقافات المنقسمة في الشرق والغرب. وعلى رغم تصنيف السلطات الروسية السوفياتية كلمات أغنياتهم “معادية للاتحاد السوفياتي”، بسبب أعمالهم المناهضة للأسلحة النووية مثل “دقيقتان قبل منتصف الليل” Minutes to Midnight 2، فسرعان ما اتضح أن هؤلاء الأصدقاء الإنجليز ذوي الشعر الطويل والذين يهزون رؤوسهم أثناء عزف الموسيقى، المرتبطين خطأ بالشر الغربي، لم يكونوا هنا لنشر وباء الشر الغربي، وكان الشباب – وحتى رجال الشرطة – يرغبون بشدة في المشاركة بذلك. كان حب أوروبا الشرقية لموسيقى الروك والميتال عميقاً لدرجة أن كثيراً من أغاني الاحتجاجات الرئيسة والثقافة الفرعية الشبابية التي رفضت الأيديولوجيا السوفياتية وتهديد الحرب الباردة النووي نشأت من هذا النوع الموسيقي. وعندما انهار جدار برلين أخيراً عام 1989، جادل عدد كبير من عشاق موسيقى الميتال بأن أغنية “رياح التغيير” Wind of Change لفرقة “سكوربيونز” The Scorpions أسهمت في إسقاطه، بينما كانت أغنيات “ميدن” أحدثت بالفعل شقوقه الأولى.
في ذلك الوقت، كانت الأمور التي اختبرتها “ميدن” تتعلق بأشياء أخرى. كانت تستهدف قلب الكتلة الشرقية، حيث كانت تلك المنطقة معزولة عن الصخب الموسيقي الغربي بفعل الستار الحديدي. بالنسبة إليهم كانت الجولة فرصة لتذوق أرقى أطباق الشرق واستكشاف أعنف مشروباته، والأهم من ذلك، تقديم عرض قوي لآلاف المعجبين الذين كانوا محرومين من التجربة الموسيقية الصاخبة في الغرب. يقول مدير الفرقة رود سمولوود: “منذ البداية، كنت دائماً أرى ميدن كفرقة عالمية حقيقية… شعرنا بأنه من غير المنصف أن هؤلاء الموجودين خلف الجدار، إذا جاز التعبير، لا يستطيعون رؤية عروضنا، لذا كان علينا أن نحاول الوصول إليهم. وكما تقول كلمات الأغنية ’آيرون ميدن ستأتي إليك، مهما بعدت المسافة‘!”.
قال عازف الباس ستيف هاريس: “تساءلنا ’كيف نعرف حتى أن لدينا معجبين هناك؟‘… فكان الرد ’حسناً، تتم إذاعة أغنياتكم هناك‘. ربما كانت تلك المنطقة المكان الوحيد في العالم الذي كان يعزف موسيقانا في ذلك الوقت. كانت الألبومات تُباع في السوق السوداء، إذ لم يكُن من الممكن شراؤها بصورة قانونية. ويضيف المغني بروس ديكنسون: “كانوا ينسخون الأشرطة المزورة وهكذا تعرّف الناس إلى الأغنيات… كانوا يجتمعون في الحانات وغرف النوم، ويستمعون إليها معاً وينقلونها شفوياً”.
وعلى رغم منعهم من تقديم العروض في تشيكوسلوفاكيا، إلا أن الحصول على إذن للعرض في بولندا كان للمفاجأة سهلاً. لكن الوصول إلى هناك كان بمثابة رحلة عبر الزمن إلى الوراء. يقول ديكنسون: “سافرنا على متن طائرة قديمة من الحقبة السوفياتية، وكانت بها فعلياً مقصورة خاصة للقصف أو للملاحة أسفل مقدمتها… وعندما وصلنا، نزلنا من الطائرة لنجد كثيراً من الأشخاص المسلحين وكأنهم كانوا يتوقعون حدوث شيء ما”.
ما حدث على بعد بضع مئات الأمتار كان يشبه إلى حد بعيد ظهور أعضاء فرقة “بيتلز” في أميركا وهم يرتدون ملابس جينز ممزقة. يتذكر ديكنسون: “صعدنا جميعاً إلى الحافلة – واحدة من تلك الحافلات السوفياتية القديمة والمتهالكة التي كانت تطلق نصف انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية كلما تحركت – وواجهنا حشداً هائلاً، حرفياً… خرجنا من البوابة الأمامية للمحطة، ووجدنا هناك مئات ومئات الناس، جميعهم يحملون لافتات وأعلاماً، ويرتدون الجينز والملابس المرقعة. أينما ذهبنا، كان المشهد واحداً”.
كانت العروض انفجارات مذهلة من الحماسة المكبوتة، مشتعلة بفضل أول نظرة يلقيها الشرق الأوروبي على عرض ضخم يملأ مسرحاً كبيراً. يقول هاريس: “في أي مكان كنا نقدم عرضنا للمرة الأولى، وينتظرنا أناس لديهم جوع موسيقي – ليس لموسيقانا فقط بل لأي فرقة – كانت هناك تلك الأجواء الحماسية والمتوترة… كانت هناك دائماً تلك الحماسة. كانت مشاهد مدهشة. لم يسبق لأحد أن شهد عرضاً ضخماً مثل الذي قدمناه – كانت تلك أول مرة يرون فيها عرضاً هائلاً حقيقياً. لقد كانت تجربة رائدة بالفعل”.
حتى في أول عرض لهم في وارسو في قاعة “هالا تورور”، كان هناك صف من الجنود يديرون ظهورهم نحو المسرح، لكن سرعان ما جرفتهم الحماسة بمجرد بدء الفرقة. يقول سمولوود: “بمجرد أن بدأت الفرقة بالعزف، ألقى الجنود قبعاتهم في الهواء وانضموا إلى الحشود… كان الأمر مذهلاً. أعتقد بأن بعض أفراد الفرقة احتفظوا بعدد القبعات كتذكارات”. يتذكر هاريس أن جزءاً من العروض كان يجري تحت حراسة عسكرية مكثفة حتى، ويقول: “كانوا يخشون التجمعات الجماهيرية… في إحدى الحفلات تحديداً، كانت هناك سيارات مدرعة، لكن سرعان ما أدرك الحراس أننا لسنا هناك لإفساد الشباب، أو أي شيء من هذا القبيل، بل كان الشباب متحمسين للمشاركة في الحدث”.
خلال تعاملهم مع الجماهير والسلطات البولندية، أصبح واضحاً أن البلاد بأكملها كانت تكره قيود الشيوعية. يقول ديكنسون: “لم يكُن أحد يرغب في وجود الروس هناك”، ويضيف سمولوود: “كانوا مؤيدين للحرية وناقمين على ما اعتبروه احتلالاً آخر… بعد النازيين جاء الروس”. أما الإشارة الوحيدة لمراقبة الكرملين فيعتقدون بأنها تمثلت في “جوزيف”، الحارس الأمني الشخصي الذي عيّنته السلطات لهم. يوضح ديكنسون: “كان بولندياً لكنه كان من القوات الخاصة الروسية… ربما تم تعيينه لمراقبتنا أو شيء من هذا القبيل. كان صارماً وجادا جداً وفي البداية أراد قتل الجميع. عندما كان يرى الشباب يتقافزون في كل مكان كان يقول ’سأقتلهم‘، فكنا نردّ ’لا، لا تقتلهم، إنهم ودودون!‘”.
ذات ليلة، تمكن أحد المصورين المرافقين لهم من جعل “جوزيف” يفقد السيطرة بفعل المخدرات أثناء شرب الفودكا. يقول ديكنسون: “ربما استفزينا عضواً من القوات الخاصة الروسية… بدأ فجأة يشرح لنا كيف يقتل الناس بيديه العاريتين”.
على رغم هذه التحديات، كانت الجماهير البولندية مليئة بروح التمرد ضد محاولات القتل (حرفياً تقريباً) للحماسة. يقول هاريس: “في كل الموسيقى الموجهة للشباب، هناك حس بالتمرد… وفي حالة الروك والميتال التي لم تكُن تذاع على الراديو في أي مكان، كانت تلك الموسيقى تمثلهم ومصدر فخر وانتماء لهم. كان لديهم شعور بأنهم يقفون في وجه النظام، كشعور المستضعف”.
ويتذكر لقاءه بأحد البحارة الروس من العاملين على السفن التجارية الذي تمكن من السفر من روسيا لرؤية الفرقة لكنه كان تحت ضغط العودة خوفاً من تعرض أسرته للمضايقات الحكومية [في حال هروبه للخارج]. يقول: “تمكن الرجل من إدخال بعض ملصقات وأسطوانات ميدن من الخارج، لكن السلطات حضرت ونزعت كل ملصقاته من على الجدران وأخذت ألبوماته. لم يكُن لدينا سوى بعض الأشرطة وبعض الأشياء الأخرى التي وزعناها. كان الناس يبكون لأنهم لم يتمكنوا من الحصول على تلك الأشياء”.
لم تكُن “آيرون ميدن” تسعى عمداً إلى إثارة غضب السلطات من على المسرح، وكما يوضح ديكنسون: “شيء واحد يمكن أن نقوله عن موسيقى الميتال هو أنها في جوهرها موسيقى هاربة من الواقع. بكل فخر… لا أحد يحتاج أن يقال له إنه يعيش في مجتمع قمعي، فهم يعرفون ذلك جيداً. لا داعي لإلقاء محاضرات عليهم بخصوص هذا، قدّم لهم عرضاً رائعاً فقط لأن ذلك سيكون أفضل من أي شيء آخر”.
على كل حال، لم يفوتوا الفرصة للقيام بما يصفه ديكنسون بـ”الأنشطة الإضافية”. يتذكر ديكنسون كيف وجد نفسه في المقعد الخلفي لسيارة موديل “ترابانت” متجهاً إلى حفلة منزلية على أطراف المدينة، وتوقيفه من قبل الشرطة في وارسو التي طالبت بتدقيق وثائق لم يكُن يحملها. وفي ليلة أخرى، اقتحمت الفرقة من دون دعوة مسبقة زفافاً بولندياً في فندق، وتمت دعوتها إلى الصعود على المسرح والعزف مع الفرقة المحلية. يقول ديكنسون: “قدمنا أداء سيئاً لأغنية ’دخان على الماء‘ Smoke on the Water [لفرقة ديب بيربل] لأن الجميع كان يعرفها… لست متأكداً من أنهم كانوا يعرفون من نحن”.
ربما لم يكُن ديكنسون يعرف من هو أيضاً، بعد أن “اكتشف” الفودكا البولندية. يقول: “عندما بدأنا شرب جرعات الفودكا المجمدة، اكتشفت أن العالم أصبح له معنى مختلفاً تماماً، وكان وردياً ورائعاً في الغالب. هذا هو اللون الذي ترى به العالم في صباح اليوم التالي لأن عينيك ستكونان في غاية الاحمرار”.
عندما زال ضباب الفودكا، كانت الصورة التي رأوها قاتمة. يقول سمولوود: “المدن البولندية الخمس التي عزفنا فيها في ذلك الوقت كانت تسودها أجواء قذرة، متسخة، رمادية، فقيرة، وفي بعض النواحي محزنة بالنسبة إلى أمة بمثل فخر البولنديين… في مرحلة ما، عبرنا الحدود في الحافلة التي نجول بها عند الفجر، ومع ضباب الفجر، كانت الأسلاك على أبراج الأمن تبدو كمشهد مأخوذ مباشرة من فيلم تجسس، وكان الأمر مخيفاً للغاية”.
يتذكر هاريس مشهداً من طوابير الخبز التي تمتد لقرابة 100 متر في غدانسك. يؤكد ديكنسون كلامه: “كان المشهد كئيباً… كان الناس يشعرون بالقوة من خلال الألوان والعرض لأن كل شيء في تلك الأمة بأكملها كان رمادياً وكئيباً. لم تكُن هناك بضائع لتُشترى، ولم تكُن هناك متعة تُعاش، كانت الحياة كلها مليئة باليأس. قصة بولندا هي قصة معاناة مستمرة على مر القرون. لقد كانت الدولة مفككة أكثر مما كانت متحدة لأنها دائماً ما كانت لعبة في يد ألمانيا وروسيا أو غيرهما من القوى. كان هناك دائماً من يقسم نصفها ويأخذ نصفها الآخر، لذا فإن إعادة توحدها الآن أمر مذهل”.
كانت المواقع التي عزفوا فيها لا تزال تحمل بقايا ظل الحكم النازي. يقول سمولوود: “في لودز، كانت القاعة هي المكان الأصلي حيث أقام النازيون تجمعاتهم، وعلى قوس القبة كان هناك صليب معقوف ضخم مخفياً بغطاء… وكانت هناك أيضاً ثقوب للتجسس على طول الجزء الخلفي من المسرح. يبدو أن الغستابو كان يتجسس منها، وإذا رأوا أي شخص في الحشد يبدي ملامح عدم تأييد، كانوا يتعاملون مع الموقف. لم أحس بذلك الشعور من قبل… ببساطة، ما زالت هناك هالة من الشر عالقة في الأجواء. لقد أعادت بقوة الشعور بالخوف الذي كان منتشراً حتماً في فترة الاحتلال”.
وأثناء رحلة طويلة عبر تشيكوسلوفاكيا، تم إيقاف حافلة الجولة ثلاث مرات من قبل ضباط الشرطة الذين طالبوا برشاوى بحجة غرامات سرعة مفبركة. يقول سمولوود: “كل 20 ميلاً (30 كيلومتراً تقريباً) أو نحو ذلك، كان يظهر مزيد منهم ويوقفوننا ويطلبون مزيداً من الدولارات الأميركية… من الواضح أنهم كانوا يتصلون ببعضهم بعضاً قبل وصولنا!”. في هذه الأثناء، كانت الفرقة تتقاضى أجرها بعملة الزلوتي البولندية، وهي عملة لا قيمة لها في الغرب. وهكذا بدأت موجة من الإنفاق المحلي كانت ستجعل شخصاً بثراء إلتون جون حتى يبدو وكأنه ينفق بتواضع.
يقول هاريس: “اشترينا كل ما يخطر بالبال… من الخزف إلى البورسلان، فقط للتخلص من الأموال”. يتذكر ديكنسون كيف اقترب منه أحد الرجال أثناء تناوله العشاء في أحد الفنادق، يبيع كميات هائلة من الكافيار التي سقطت من على ظهر سفينة روسية. يقول: “جاء هذا الرجل ومعه كيس قمامة مليء بالكافيار… كنا جميعاً في حال سكر، وقلنا ’حسناً، كم السعر؟‘ فأخرج علبة كافيار بوزن نصف كيلو وقال: ’سعرها 100 دولار‘ فقلت ’100 دولار؟ هذا رخيص للغاية‘”.
تمكن المصور روس هالفين الذي كان يرافق الفرقة في جولتها من المساومة ليخفض السعر إلى 50 دولاراً لكل علبة. يتابع هاريس: “سألناه ’هل لديك المزيد؟‘ فعاد بأكثر من خمسة كيلوغرامات، في ما بدا مثل برميل من الكافيار. أصيب الجميع بالجنون. ربما كان لدينا نحو 10 كيلوغرامات من الكافيار، وهي كمية لم يكُن من الممكن أن نأكلها. كانت هذه أكثر تجربة ترفاً في حياتي، تناول ملعقة كبيرة من الكافيار واحتساء الفودكا لبلعها. كان يمكن أن تكون مشهداً من فيلم ’تومي‘ Tommy لكن البطل يتناول فيه الكافيار بدلاً من الفاصولياء بالطماطم”.
وعلى رغم وصف سمولوود لموسيقى الـ”هيفي ميتال” بـ “العنصر الموحّد بين الأمم” و”لغة عالمية… من الصداقة والحرية”، فإن “ميدن” تفضل التقليل من أي تأثير ربما تكون جولة “عبد السلطة” تركته في جَسْر الهوة بين الشرق والغرب. يقول ديكنسون: “لم نكُن بحاجة إلى بذل جهد كبير لبناء الجسر… كان علينا فقط بناء النصف الآخر لنلتقيهم في منتصف الطريق. وبعد ذلك، عندما أخذوا زمام مصيرهم بأيديهم، سقط الجدار وانهار الكيان السلطوي من عصر السوفيات لأنه لم يكُن له أساس، لم تكُن له قاعدة، لم يرِده أحد. ربما أراده بعض الناس في روسيا، ولكن بقية كوكب الأرض لم ترِده. أوروبا الشرقية لم ترِده”.
من الواضح أن ديكنسون، خريج قسم التاريخ، يدرك بوضوح مدى التراجع الذي شهدته الأوضاع خلال الأعوام الأخيرة. يقول: “إذا نظرت إلى خريطة أوروبا الآن، فستلاحظ أنها تشبه إلى حد كبير خريطة عام 1914 أكثر من كونها تعكس الوضع في 2024… التكوين السياسي والضغوطات والنزعات الوطنية المختلفة التي تعود للظهور، كل شيء يتصاعد. آمل ألا يكون قادة الدول الغربية يسيرون مغمضي الأعين تجاه كارثة محتملة لأن الاستسلام أو إنفاق الأموال على قضايا ما لن يحل المشكلة، في مرحلة ما، ينبغي أن ينهض شخص ما ويقول: ’يجب أن يتوقف هذا، وربما تتعين علينا محاربته‘”.
ومع ذلك، يعترف ديكنسون بالأمل والنور الذي جلبته فرقة “آيرون ميدن” لجيل من عشاق الروك المضطهدين في الثمانينيات الذين رأوا وصولها كرمز لتمردهم ضد القمع والتحرر منه. يقول: “بالنسبة إلى الشباب، أولئك الذين كانوا يبحثون عن الفرح والألوان، كانت موسيقى الروك هي حقاً صوت الحرية… كنا ندرك أننا أحدثنا فرقاً كبيراً في حياة هؤلاء الناس. ربما ما زالوا يتحدثون عن ذلك حتى الآن، أولئك الذين كانوا جزءاً من الحدث. عندما تلقي بحجر كبير في وسط بركة ماء، تستمر الدوائر في التوسع، ولا تعرف إلى أين ستصل”.
المصدر : عربية The Independent