في عام 1984، عندما أصبحت نجمة الغلاف نوال المتوكل أول امرأة عربية ومسلمة في التاريخ تفوز بميدالية ذهبية أولمبية، لم تدخل بذلك الإنجاز سجلات الأرقام القياسية وحسب – بل حطّمت المعتقدات المرتبطة بما يمكن للمرأة العربية القيام به، رغم الاعتبارات المجتمعية. وبكل عزم وتصميم، سارت زميلاتها من اللاعبات الرياضيات على درب خطواتها السريعة: حيث أصبحت العدّاءةُ السعودية الأمريكية دليلة محمد من أسرع النساء على الإطلاق في دورة الألعاب الأولمبية بطوكيو 2020، فيما فازت المبارِزةُ التونسية إيناس بوبكري بالميدالية البرونزية في دورة ألعاب ريو دي جانيرو 2016، كما اعتلت التونسية أنس جابر المرتبة الثانية عالميًا في تصنيف اتحاد لاعبات التنس عام 2022.
ويشكّل سطوع نجم المرأة العربية في الرياضة تحولاً ثقافيًا كبيرًا – ليس من خلال مشاركتها [في المنافسات] وحسب؛ ففي يناير 2018، حضرت مشجِعات كرة القدم السعوديات فعالية رياضية عامة لأول مرة، فيما تستضيف المملكة اليوم عديدًا من البطولات والاتحادات الرياضية النسائية، كما أصبح لديها أكثر من 330 ألف لاعبة رياضية مسجلة. وهناك أيضًا الآلاف من النساء العربيات ممن اقتحمن مجالات التدريب والتوجيه والتحكيم، أو عملن طبيبات رياضيات. وفي دورة الألعاب الأولمبية لهذا العام، ستكون دنيا أبو طالب أول رياضية تتأهل مباشرةً للأولمبياد، ما يعني أنها حظيت بهذا المكان بفضل أدائها فعليًا وليس ببطاقة استثناء “وايلد كارد”. وفي أي رياضة يا تُرى؟ ربما تتفاجؤون إذا عرفتهم أنها التايكوندو.
وتقول صاحبة السمو الملكي الأميرة ريما بنت بندر آل سعود، سفيرة المملكة العربية السعودية لدى الولايات المتحدة وعضو مجلس إدارة اللجنة الأولمبية والبارالمبية السعودية: “الرياضة أداة قوية للنهوض بالمرأة حول العالم”. يُذكَر أن الأميرة هي أيضًا عضو اللجنة الأولمبية الدولية؛ حيث كانت عضوًا في لجان المرأة في الرياضة والمساواة بين الجنسين والتنوع والشمول. وتردف: “من خلال الرياضة، تستطيع المرأة تحقيق أحلامها، ليس فقط في مختلف الملاعب الرياضية، بل يمكنها أيضًا حمل راية التغيير الاجتماعي. فمن عساه أن يحرمها من تحقيق هذه الأحلام؟”.
نوال المتوكل
“أنا مغربية، أنا عربية، أنا أفريقية. أنا فخورة بهويتي: امرأة، وأم، وصديقة. لدي إيمان راسخ بقوة المرأة، وبقدرتها على التأثير على العالم إذا ما سنحت لها الفرصة”. وُلِدَت نوال المتوكل في الدار البيضاء عام 1962، وأصبحت أول امرأة مغربية وأفريقية وعربية ومسلمة تعتلي منصة التتويج لتتسلّم الميدالية الذهبية حين فازت في سباق 400 متر حواجز بدورة الألعاب الأولمبية في لوس أنجلوس عام 1984 – وكانت تلك هي المرة الأولى التي يُدرَج فيها هذا السباق، الذي يتطلّب فنيات عالية، للسيدات. وكان إنجازها الكبير هذا لحظةً فارقة منحت المرأة المغربية الثقة بالنفس وشجعتها على ممارسة هذه الرياضة التي كانت حتى ذلك الحين حكرًا على الرجال. تقول نوال: “بعدما أصبحتُ الأولى، تبيّن لي وللعالم بأسره أن النساء في هذا الجزء من العالم قادرات، ولديهن أحلام وأهداف عظيمة في الحياة”. يُذكَر أيضًا أنها أول امرأة من دولة مسلمة وعربية وأفريقية تُنتَخَب لعضوية اللجنة الأولمبية الدولية عام 1997، ثم أصبحت نائبًا لرئيسها عام 2012. وبسؤالها عن أعظم ثلاثة إنجازات حققتها في حياتها، أجابت على الفور: “إنجاب أطفالي، وإحراز ميداليتي الذهبية، وخدمة بلدي كوزيرة وعضو في البرلمان”.
تقول: “قبل أربعين عامًا في لوس أنجلوس، لم يكن أحد يعرف حتى أين يقع المغرب”، وتردف: “أفخرُ للغاية بأنني تمكنتُ من فتح ذلك الباب أمام كثير من الفتيات الشابات وحمل الشعلة الأولمبية، لأن تلك الشعلة ستظل مشتعلة للأبد”. ومن خلال منصبها النافذ في اللجنة الأولمبية الدولية، تمكنت من الإسهام في دفع عجلة التغيير؛ ففي عام 2012، أصدرت اللجنة إنذارًا نهائيًا لجميع الوفود الأولمبية الوطنية بحتمية ضم كلٍ منها امرأة واحدة على الأقل. وقد ساعد هذا القرار في تغيير قواعد اللعبة بالنسبة لعديد من اللاعبات الرياضيات في المنطقة، حيث ضمت كل من قطر والسعودية وبروناي عناصر نسائية إلى فرقهن لأول مرة. كما أطاح ذلك بعقود من التحيّز امتدت لأكثر من قرن من الزمن. وعندما أسس بيير دي كوبرتان الألعاب الأولمبية الحديثة عام 1896، لم يستبعد النساء من مسابقات المضمار والميدان فحسب، بل لم يُسمَح لهن حتى بالحضور كمتفرجات. وتفسيرًا لهذا التوجّه، تقول نوال: “قال إن مشاركة النساء ستكون ’غير عملية، وغير مثيرة للاهتمام، وغير جذابة، وأيضًا غير لائقة”. وعن الفعالية [الرياضية] التي ستقام هذا الشهر وسيكون نصف المتنافسين فيها بالتحديد من النساء لأول مرة، تقول: “ستشكل دورة الألعاب الأولمبية في باريس نموذجًا للمساواة، والتكافؤ، والتنوع”، مضيفةً: “سنتذكرها للأبد”.
تنحدر البطلة من عائلة رياضية، فوالدتها كانت تلعب الكرة الطائرة، ووالدها مارس رياضة الجودو، كما شارك أشقاؤها وشقيقاتها الخمسة جميعهم في الألعاب الرياضية. تقول: “كان لدعم والدي ووالدتي لي أهمية كبرى. ما زلتُ أتذكر أمي وهي تعدّ لي عصير البرتقال، قائلةً إنه عليّ أن أكون قوية كي أحطّم الأرقام القياسية. وكان والدي يحمل حقيبتي ويحضر معي المسابقات المحلية عندما كان عمري 14 عامًا”، وتضيف: “لقد كان قدوتي – فقد كان طويل القامة، وضخم الجثة، وقوي البنيان. كنتُ دائمًا أكنّ له الاحترام والإعجاب. وعندما أردتُ أن أتوقف، كان يذكّرني بأن أثمن الهدايا تأتي بأحجام صغيرة. كان يقول لي: “أنتِ قوية جدًا، ويمكنكِ تحقيق ذلك يومًا ما”. تلك هي الذكريات التي ما زلتُ أعتز بها”. ومن الواضح أن هذا التشجيع أثّر على غريزتها في دعم الجيل المقبل من الرياضيات. تقول للمرأة: “أولاً وقبل كل شيء، ثقي بنفسكِ، ومارسي ضبط النفس، وتخطي حدود ذاتكِ”.
ويعتريها حماس خاص تجاه مشاركة النساء العربيات والمسلمات، واللواتي أصبح لديهن شعور عميق بالاستقلالية والاحترام لطالما طال انتظاره. تقول: “لقد حضرت دورة الألعاب السعودية مرتين وشاهدتُ نساءً يغتنمن فرصهن – فقد كنّ هناك للمنافسة وإحراز الفوز”. ويتجلّى ذلك من خلال زميلتها نجمة الغلاف وبطلة التايكوندو السعودية دنيا أبو طالب التي “أبهرت” نوال المتوكل في اليوم الذي قضته كلٌ منهما مع الأخرى أثناء جلسة التصوير. وتتحدث عنها نوال قائلةً: “رأيتُ تلك القوة، تلك الشرارة بداخلها وداخل كل امرأة سعودية. وسأكون هناك في أغسطس لحضور منافساتها في باريس، وأتمنى أن أضع الميدالية الذهبية حول عنقها”.
دنيا أبو طالب
في السادسة والعشرين من عُمرها، تُعدّ بطلة التايكوندو دنيا أبو طالب أول امرأة سعودية تتأهّل مباشرةً للألعاب الأولمبية. وعن ذلك تقول دنيا: “إنها لحظة تاريخية”، وتضيف: “أنا فخورة كمواطنة سعودية. وكوني المرأة [السعودية] الأولى يمثّل تحديًا كبيرًا لي – وحينما أحقق إنجازًا في رياضتي هذه، أنا لا أفعل ذلك باسمي فقط، بل أفعله باسم السعودية كلها”. ولا تخفى عزيمة دنيا عن أنظار متابعيها، فلديها رغبة شديدة في الفوز، كما يغلب على شخصيتها الهدوء، ورباطة الجأش، والتواضع.
وخلال نشأتها في جدة، شقت دنيا لنفسها مسارًا فريدًا وجريئًا، حيث حرصت على ملاحقة شغفها بلعبة الفنون القتالية الكورية “التايكوندو” بدايةً من الثامنة من عمرها. تقول: “كنتُ أتشاجر دائمًا مع أخي، وعلى إثر ذلك قرر والدي، الذي كان من محبي الفنون القتالية، أن نتعلم التايكوندو”. وقد اعتنت أسرتها بموهبتها الفطرية ودعمتها، وما بدأ كهواية ممارسة الملاكمة مع أخيها أصبح قصة [شهيرة] عن القوة والصمود. تقول: “شعرتُ أنها كانت الرياضة الملائمة لشخصيتي”، وتضيف: “فهي تمنح المرء الثقة بالنفس، وتجعله على أهبة الاستعداد للتعامل مع المواقف الخطرة، ذهنيًا قبل أن يكون بدنيًا، وتمنحه سرعة البديهة. وعادةً ما يحافظ ممارسو الألعاب القتالية على هدوئهم في المواقف التي تتطلّب الصبر”.
وقد خاضت دنيا ضغوط هذه الرياضة من ناحية، كما خففت من حدة التحديات الاجتماعية التي كانت سائدة في تلك الفترة من ناحية أخرى. تقول: “كنتُ أرتدي قبعة عند ممارسة هذه الرياضة لأنه لم يكن مسموحًا للفتيات بدخول المراكز الرياضية. وعندما اكتُشِفَ أمري ومُنِعتُ من الدخول مجددًا، استكملتُ التمرين في المنزل مع مدرِّب أخي”. ولحُسن الحظ، كان والد دنيا داعمًا لها على الدوام. وعنه تقول: “كان سعيدًا عندما شاهدني وأنا أهزم الأولاد. لقد أبصر أمرًا ما في شخصيتي: كنتُ أظن أن الخوف سيسطر عليّ دومًا، ولكن والدي كان على يقين من أنني سيكون لي مستقبل مشرق في هذه الرياضة. وقد علّمني كيفية الاعتماد على نفسي في كل ما أواجهه في الحياة”. وقد واجهت دنيا أصعب تحدٍ في حياتها عندما فقدت والدها الذي حزنت عليه كثيرًا. تقول: “كان [الأمر] مؤلمًا، وخاصةً لأنني كنتُ أتولى رعاية أسرتي. كنتُ أدرس وأعمل، ولكن رحمة الله ولطفه كانا يرافقاننا دائمًا، وكانت دعوات أمي تحيط بي وتحميني”.
ولأن الأهداف العظيمة تقترن بها تضحيات كبيرة، فإن الالتزام والتركيز اللازمين للمشاركة على الساحة العالمية ينطويان على مسؤولية ضخمة. واليوم، تتدرب دنيا يوميًا مع الرجال لأن العثور على خصوم من النساء لديهن القدرة على المنافسة على نفس مستواها ليس بالأمر السهل. تقول: “واجهتُ مصاعب في رحلتي نحو الاحترافية. واعتدتُ على البكاء أكثر من الضحك، وكنتُ أكابدُ الألم يوميًا. وكانت هزائمي أكثر من انتصاراتي”. ورغم ذلك، كانت دنيا عازمة على حمل رسالة الرياضة النسائية بما يعود بالنفع على المملكة، ودعم رفيقاتها المنافِسات في أي منصب تعتليه. ورسالتها [للمرأة] واضحة: “لا تدعي أي عذر أو عراقيل تسيطر على تفكيركِ. خوضي أول حروبكِ مع عقلكِ. هنالك دومًا حلول للوصول إلى حلمكِ”. وتقول إن مدربها قربان بوغداييڤ يواصل تشجيعها بنفس طريقة والدها. وعنه تقول: “علّمني كيف أكون قوية، وجعلني امرأة من الصعب هزيمتها، امرأة تنجح مهما تكلّف الأمر”.
ومن التغلّب على الحواجز في تدريباتها كفتاه إلى تمثيل بلدها كامرأة، رفضت دنيا السماح للانتكاسات بعرقلة مسيرتها. وبمرور الوقت، تحدث التغييرات لا محالة. تقول: “نحن محظوظون للغاية أنه من السهل أمامنا نحن الرياضيين تحقيق النجاح في المملكة العربية السعودية، ونحن نسير على هدى خطوات رؤية المملكة. وبلدي تجعلني فخورة بأني سعودية بفضل الدعم الذي تسديه لكل الرياضيين، ونحن حريصون على رفع علمها عاليًا في القمة”.