تنتمي زهرة التوليب لصنف النباتات العشبية، وتنحدر ضمن فصيلة الزنبقيات. وتضم هذه الفصيلة أكثر من 100 نوع مقسمة لأربعة أجناس فرعية.
فضلاً عن ذلك، تشير العديد من المصادر لنشأة هذه الفصيلة بالمناطق المعتدلة والدافئة في العالم القديم. فيما تتميز زهرة التوليب بشكلها الرائع وألوانها المتعددة، حيث تجذب نظر من يشاهدها. وقبل نحو 400 سنة، أثارت هذه الزهرة أزمة اقتصادية عصفت بأحد أهم اقتصادات القارة الأوروبية.

انتشار التوليب نحو أوروبا
بناء على العديد من المصادر، جاء أول ذكر لزهرة التوليب بالمناطق الواقعة في آسيا الوسطى والشرق الأدنى، حيث بدأت عملية الزراعة والاعتناء بها في حدود القرن الخامس. وبالقرون التالية، تطورت عملية زراعة زهرة التوليب خلال فترة العثمانيين، الذين لم يترددوا في نهب عشرات الآلاف منها من حلب والمناطق المحيطة بها بهدف زراعتها بحدائق القسطنطينية خاصة أثناء فترة سليم الثاني.
وأثناء تنقلهم نحو الشرق، تحدث العديد من الرحالة الأوروبيين عن زهرة التوليب وجمالها. وقد جاء أبرز وصف لها على لسان الرحالة الفرنسي بيير بيلون (Pierre Belon) سنة 1547 حيث لم يتردد حينها في نقل عدد من أزهار التوليب لأوروبا. وبعد بضعة سنوات، جاء ذكر هذه الزهرة مرة أخرى بمذكرات سفير الإمبراطورية الرومانية في القسطنطينية أجييه غيسلان (Ogier Ghislain) حيث وصف حينها هذه الزهرة ولقّبها بزهرة التوليب.

ومع تطور تقنيات البستنة، ظهرت زهرة التوليب بشكل مكثف بحدائق أوروبا. فعام 1559، شوهدت هذه الزهرة بحدائق أوغسبرغ من قبل الطبيب السويسري كونراد غيسنر (Conrad Gessner). وتدريجياً، انتشرت في حدائق أوروبا حيث شوهدت فيما بعد بكل من بروكسل وفرانكفورت وباريس وفيينا ولندن.
جنون التوليب
إلى ذلك، ساهم عالم النباتات المنحدر من الأراضي المنخفضة كارولوس كلوسيوس (Carolus Clusius) في نشر العديد من أجناس زهرة التوليب بأوروبا. وخلال النصف الأول من القرن السابع عشر، انتشرت هذه الزهرة في العديد من حدائق الأمراء والملوك والنبلاء مثيرة بذلك اهتمام كبار التجار وأصحاب البنوك، خاصة في هولندا المعروفة أيضاً بالأراضي المنخفضة، الذين لم يترددوا في استثمار نسبة من ثرواتهم بمجال زراعة هذه الزهرة، خصوصاً الأجناس النادرة منها، التي تضاعف سعرها مرات عديدة منذ مطلع القرن السابع عشر. وحسب تقارير تلك الفترة، بلغ سعر الأجناس النادرة من زهرة التوليب في هولندا آلاف العملات الذهبية المعروفة بالفلورين (florin). فضلاً عن ذلك، جنى العامل العادي بمجال زراعة هذه الزهرة نحو 150 فلورين بالعام.

ومنتصف ثلاثينيات القرن السابع عشر، شهدت الأراضي المنخفضة ما عرف حينها بجنون التوليب أو التوليبمانيا، حيث ارتفعت الأسعار بشكل سريع لدرجة أن سعر بعض الأجناس قد عادل سعر المنازل. من جهة أخرى، اتجه العديد من التجار وأصحاب البنوك للاستثمار ببصيلات هذه الأزهار خلال الخريف والشتاء بهدف زراعتها وبيعها بأسعار خيالية بحلول الربيع والصيف. كما لم يتردد كثيرون في الحصول على هذه البصيلات عبر عقود الشراء والتدين، أملاً في سداد هذه الديون عند بيع الأزهار.
وبحلول فبراير 1637، انهارت أسعار زهرة التوليب بشكل مهول حيث فقدت بأيام قليلة نحو 90% من قيمتها. ووفق العديد من الخبراء، انهارت الأسعار حينها عقب بلوغ أزهار التوليب لأعلى قيمتها في السوق حيث تراجع حينها عدد المشترين الذين أصبحوا غير قادرين على الحصول عليها. كما شهدت نفس الفترة ظهور مرض أصاب هذه الزهرة وأفسد العديد منها بمنطقة هارليم (Haarlem) التي مثلت حينها أهم المدن الهولندية المختصة بزراعة التوليب.

أمام هذا الوضع، وجد العديد من المستثمرين أنفسهم غير قادرين على سداد ديونهم. وأملاً في تجنب كارثة اقتصادية، وافقت سلطات الأراضي المنخفضة على إلغاء عقود الشراء ليتحرر بذلك المستثمرون من ديونهم.
وحسب العديد من المؤرخين، لقبت أزمة التوليب سنة 1637 بأول فقاعة اقتصادية بالتاريخ رغم عدم تسببها بأضرار كبيرة بفضل تدخل السلطات التي أنقذت الموقف ، أما في الجانب العثماني، فأبدى السلطان أحمد الثالث هوساً بالتوليب منذ بلوغه الحكم سنة 1703 حيث وضع أكثر من 100 ألف زهرة توليب بقصوره وحدائقه.

وبسبب هذا الهوس، لقبت فترته بعصر التوليب. ومع خلعه من الحكم سنة 1730، تابع أحمد الثالث ذبول ورحيل أزهار التوليب التي أنفق عليها ثروة طائلة، حيث أبدى خلفه محمود الأول هوسا بالنساء وأهمل هذه الأزهار.
