إنه “رجل التعريفات الجمركية”، هذا لقب أطلقه الرئيس الأميركي دونالد ترامب على نفسه في تغريدة نشرها عام 2018 عندما فرض رسوما جمركية على سلع صينية بنحو 200 مليار دولار.
ويعود هذا اللقب في الأصل إلى الرئيس الخامس والعشرين للولايات المتحدة، الجمهوري ويليام ماكينلي والذي كان ترامب قد أشاد به في حفل تنصيبه في العشرين من يناير الماضي ، وأشاد به ترامب لأنه جعل الولايات المتحدة “ثرية جدا من خلال الرسوم الجمركية”.
وفي تحقيق لوعوده الانتخابية، فرض ترامب رسوما جمركية على مستوردات من كندا والمكسيك والصين، والتي كشف البيت الأبيض أنها ستفرض السبت وستدخل حيز التنفيذ فورا ، يجادل اقتصاديون أن هذه الرسوم قد تزيد من أسعار السلع في السوق الأميركية ، إذ أنها تضاف على تكلفة السلعة، بينما يرى البعض فيها دعما للمنتج المحلي على حساب المستورد، بينما يعتقد البعض أنها ستحقق مكاسب للاقتصاد الأميركي.
“رابحون وخاسرون”
“رابحون وخاسرون” هذا ما سينتج عن سياسة فرض رسوم جمركية من قبل الولايات المتحدة على شركائها التجاريين، على ما يؤكد خبراء اقتصاديون ، ويرى خبراء أن ترامب أمام معادلة صعبة، بفرض الرسوم الجمركية، وضبط التضخم في السوق الأميركية، وهو ما يتطلب حسابا دقيقا للربح والخسارة.
وهي حسابات قد لا ينتج عنها ما هو أبيض أو أسود فقط، إذ قد تكون النتيجة رمادية ، وتظهر بيانات وزارة التجارة الصادرة الجمعة، أن أسعار المستهلك ارتفعت بنسبة 2.6 في المئة في ديسمبر الماضي، بزيادة عن 2.4 في المئة في نوفمبر، ما يعني أنها بعيدة عن المستويات المستهدفة من الاحتياطي الفيدرالي عند 2 في المئة.
المتحدثة باسم الرئاسة الأميركية، كارولين ليفيت قالت للصحفيين الجمعة إن “الرئيس سيفرض السبت رسوما جمركية بنسبة 25 في المئة على المكسيك، وبنسبة 25 في المئة على كندا، وبنسبة 10 في المئة على الصين بسبب الفنتانيل غير القانوني الذي ينتجونه ويسمحون بتوزيعه في بلادنا”.
المحلل الاقتصادي الأميركي، ديفيد باين قال إن فرض الرسوم الجمركية على أبرز الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، قد يعود بنتائج “مدمرة” على بعض القطاعات، وقد يكون “داعما” لبعض القطاعات.
ويشرح في رد على استفسارات موقع “الحرة” أن الرسوم الجمركية “مثال كلاسيكي على الربح والخسارة”، على سبيل المثال كان هناك عدة قرارات من رؤساء أميركيين بشأن حماية صناعة الحديد والصلب في الولايات المتحدة، بفرض رسوم على المستورد منها.
وأشار باين أن هذه الرسوم والتي أيضا فرضها ترامب في إدارته الأولى أثبتت أنها مفيدة للولايات المتحدة ومنتجي الصلب الأميركيين، ولكن في المقابل كان المشترون يدفعون المزيد للحصول على هذا المنتج ، ولهذا “نعم هناك رابحون، ولكن يميل محللون اقتصاديون إلى القول إن الخسائر أكبر من المكاسب”، قال المحلل الاقتصادي باين.
وزاد أنه على سبيل المثال صناعة السيارات، التي تعتمد على مستلزمات الإنتاج القادمة إما عبر الحدود الكندية أو المكسيكية، ولهذا الصدمة في العرض والطلب بهذا القطاع قد تكون مدمرة خاصة على المنتجين والمستهلكين ، وكانت كندا والمكسيك اللتان تتمتعان بحماية اتفاقية التجارة الحرة التي تربطهما بالولايات المتحدة، تأملان في تجنب فرض رسوم على المنتجات المصدرة لأميركا.
وقال ترامب للصحفيين في المكتب البيضاوي الجمعة إن الصين وكندا والمكسيك لا يمكنها “فعل أي شيء” لتجنب الرسوم الجمركية التي ستفرضها واشنطن اعتبارا من السبت، لافتا إلى أنها ستشمل أشباه الموصلات والنفط والصلب، ومضيفا أن بعض هذه الرسوم قد يدخل حيز التنفيذ اعتبارا من 18 فبراير ، كذلك أعلن أنه سيفرض “حتما” رسوما جمركية على الاتحاد الأوروبي في المستقبل.
وتثير هذه التدابير قلق المحللين في وقت يتمتّع الاقتصاد الأميركي بحالة جيدة إذ سجل في 2024 نسبة نمو بلغت 2.8 في المئة ، وقال معهد “أكسفورد إيكونوميكس” أنه في حال طبقت هذه الرسوم، ستخسر الولايات المتحدة 1.2 نقطة مئوية من نموها وقد تعاني المكسيك ركودا.
المخاوف من التضخم
ورغم أن الرسوم الجمركية تفرض على السلع المستوردة، إلا أن من يدفعها الشركات الأميركية التي تستوردها، ويتم إضافتها تكلفة على سعر السلعة، ما يعني أن المستهلك الأميركي هو من يدفعها، أي أنها ستدفع بموجة تضخم ، هذه الرسوم، التي تزيد الأسعار، قد تجعل سلعة مستوردة ما، غير جاذبة للشراء كما كانت قبل، ما يعني أن المستهلك سيبحث عن منتج محلي بأسعار تناسبه، وهو ما يقلل من هذه الضغوط التضخمية.
ويستبعد باين أن يستطيع ترامب بالإيفاء في وعوده بخفض التضخم، إذ أن الرسوم الجمركية ببساطة تزيد التكاليف على المستهلك الأميركي بالنهاية ، ولكن خفض التضخم قد يحصل إذا ما تم تأمين منتجات محلية بأسعار منافسة، وهو ما يدعم الاقتصاد الأميركي.
كما قد يتمكن ترامب من خفض التضخم للتعويض عن الزيادات التي قد تسببها الرسوم الجمركية، بإجراءات أخرى، وعلى سبيل المثال وفقا لباين إذا تم تخفيف القيود التنظيمية على صناعة النفط والغاز، ما يعزز الإنتاج، ويقلل من تكاليف الطاقة التي تساهم سلة أسعار المستهلك بشكل كبير.
أستاذ الاقتصاد بجامعة كولومبيا الحائز على جائزة نوبل، جوزيف ستيغليتز يقول إن جميع خبراء الاقتصاد تقريبا يشيرون إلى أن تأثير الرسوم الجمركية سيكون “سيئا على الولايات المتحدة والعالم”، وزاد في تعليقه على الرسوم الجمركية التي ستفرضها إدارة ترامب أن تأثيرها سيكون “تضخيما” بالتأكيد.
ويرى بعض أنصار خطة ترامب أن المخاطرة تستحق المكافأة، وقال الرئيس التنفيذي لبنك جي بي مورغان تشيس، جيمي ديمون، لشبكة “سي إن بي سي” قبل أيام إنه إذا تسببت الرسوم الجمركية في بعض التضخم لكنها تعالج قضية تتعلق بالأمن القومي، على الناس أن “يتجاوزوا الأمر”.
وخلال الأشهر الثلاثة الماضية، ارتفعت سلة الأسعار الأساسية بمعدل سنوي بلغ 2.2 في المئة، بانخفاض عن 2.6 في المئة في نوفمبر الماضي ، “وداعا للاقتصاد الأميركي” بهذه العبارة، توعد الرئيس المنتخب دونالد ترامب، دول منظمة “بريكس” التي تسعى لطرح عملة جديدة موازية للدولار، محذرا من فرض رسوم جمركية عليها بنسبة 100 بالمئة.
وكانت هناك زيادات في الإنفاق على السلع مثل الإلكترونيات والأثاث، ما قد يكون علامة شراء المزيد من المنتجات المصنعة المستوردة ، وعادة ما يرتفع التضخم في بداية كل عام مع الزيادات الطفيفة التي تفرضها الشركات على السلع، ولكنها تعود للتباطؤ بعد ذلك.
وتشير بيانات وزارة التجارة إلى ارتفاع الدخل بنسبة 0.4 في المئة، وانخفاض معدل الادخار إلى 3.8 في المئة ، ورفض المرشح لمنصب وزير التجارة الأميركي هوارد لوتنيك في جلسة التصديق على تعينه الأربعاء فكرة أن فرض رسوم جمركية كبيرة يمكن أن يؤدي إلى زيادة التضخم ووصفها بأنها “سخيفة”.
وقال لوتنيك “قد تشهد بعض المنتجات ارتفاعا في الأسعار، ولكن ليس كلها، ولن يكون ذلك تضخميا. الدولتان اللتان تفرضان أكبر قدر من التعريفات الجمركية هما الهند والصين، لديهما أكبر قدر من التعريفات الجمركية، ولكنهما لا تعانيان من التضخم. ومن السخافة الاعتقاد بأن التعريفات الجمركية تؤدي إلى التضخم” ، وتعهد بالعمل على الحد من التأثير المحتمل للرسوم على قطاعات معينة، مثل الزراعة والصناعة خصوصا في حال اتخاذ شركاء الولايات المتحدة التجاريين إجراءات انتقامية.
لماذا يريد ترامب فرض الرسوم الجمركية؟
وخلال الحملة الانتخابية، أعلن ترامب نيته فرض رسوم جمركية تراوح بين 10 و20 في المئة على المنتجات المستوردة إلى الولايات المتحدة كافة، قد ترتفع نسبتها إلى ما بين 60 و100 في المئة بالنسبة إلى المنتجات الآتية من الصين ، وكان الهدف من هذه الزيادة التعويض عن خفض الضرائب الذي ينوي تطبيقه خلال ولايته الرئاسية الجديدة، ومعاقبة الممارسات التجارية غير العادلة، ووقف تجارة الفنتانيل، وتعزيز التصنيع في الولايات المتحدة.
وفي تصريحاته حدد ترامب استخدامه للرسوم الجمركية ضمن ثلاثة مسارات: زيادة الإيرادات، وتحقيق التوازن التجاري، ودفع بعض الدول إلى طاولة المفاوضات ، كما أنه لوح ترامب بتوسيع نطاق فرض هذه الرسوم على دول مجموعة البريكس إذا ما حاولوا الإحجام عن التعامل بالدولار الأميركي في التجارة الدولية.
وقال ترامب في حديثه لقادة مجتمع الأعمال في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا قبل أسبوع “تمتلك الولايات المتحدة أكبر كمية من النفط والغاز مقارنة بأي دولة أخرى على وجه الأرض، وسوف نستخدمها. وهذا لن يؤدي فقط إلى خفض تكلفة كل السلع والخدمات تقريبا، بل سيجعل الولايات المتحدة قوة عظمى في مجال التصنيع”.
أداة ضغط وسط مخاوف من حروب تجارية
وحضر وزير الأمن العام الكندي ديفيد ماكغينتي إلى واشنطن الخميس لعرض الخطوط العريضة لخطة تقضي بتعزيز أمن الحدود بين بلاده والولايات المتحدة ، وعلى الجانب المكسيكي، أكدت الرئيسة كلوديا شينباوم الجمعة أنها تباحثت “مع الحكومة الأميركية وحققت تقدما في مواضيع مختلفة”، وأضافت “يتم التوصل إلى اتفاقيات كل يوم”.
ويرجح المحلل الاقتصادي باين أن هذه الرسوم الجمركية التي تفرضها إدارة ترامب، ليست للأبد، إلا إذا ما شهدنا نوعا من القرارات المضادة بفرض رسوم على المنتجات الأميركية من قبل هذه الدول ، ويعتقد أن ترامب قد يفرض هذه الرسوم السبت، ويلغيها الاثنين، فهو يستخدم التهديد لتحسين الموقف التفاوضي للولايات المتحدة باعتبارها أدارة ضغط لحل المشكلات.
وقال باين إنها “قد تكون ناجحة، لكن الحسابات فيها يجب أن تكون محسوبة بعناية، حتى لا تعود بنتائج عكسية على الاقتصاد الأميركي، أو بإيجاد نوع من المواجهات الدولية بالرسوم الجمركية”.
وقد يفتح فرض هذه الرسوم الباب أمام اتخاذ إجراءات قانونية من جانب الدول المعنية أو الشركات الأميركية المتضررة من القرار، وكذلك من خلال إجراءات حل النزاعات المنصوص عليها في اتفاقية التجارة الحرة المبرمة بين كندا والولايات المتحدة والمكسيك.
ودعا رئيس البنك الدولي أجاي بانجا صناع القرار الاثنين في أنحاء العالم يجب ألا يتسرعوا في اتخاذ ردود فعل على ما تعلنه إدارة ترامب، وأن يستعدوا للدفاع عن مواقفهم ، وقال بانجا في مقابلة مع رويترز على هامش القمة الأفريقية للطاقة في دار السلام العاصمة التجارية لتنزانيا “نصيحتي الوحيدة للجميع هي عدم التسرع في الرد أو الحكم”.
من جانبها حذرت نجوزي أوكونجو إيويالا، المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية في اجتماعات المنتدى الاقتصادي العالمي الأخير، إن نشوب أي حروب تجارية ردا على تهديدات ترامب بفرض رسوم جمركية ستكون كارثية العواقب على النمو العالمي ، وحثت الدول على عدم الرد.
وقالت إيويالا “إذا حدث رد فعل مقابل، سواء على الرسوم الجمركية بنسبة 25 في المئة أو 60 في المئة، وعدنا إلى ما كنا عليه في ثلاثينيات القرن العشرين، فسنرى خسائر في الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة أكثر من 10 في المئة. هذا كارثي. الجميع سيدفع الثمن” ، وأشارت بذلك إلى فترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية عندما تبنت الدول قيودا تجارية ردا على قانون الرسوم الجمركية الأميركي في عام 1930.
خطط الرئيس ترامب للرسوم الجمركية، قد تكون مثيرة للجدل، البعض يرى فيها مكاسب للولايات المتحدة، ويحذر العديد من الخبراء أنها ستؤدي إلى ارتفاع الأسعار ، المخاوف لا تقف عند التضخم، بل تمتد إلى حروب تجارية، الرابح فيها من لديه القدرة على احتمال التبعات الاقتصادية أكثر ، أي أننا قد نكون أمام “معركة عض الأصابع” والخاسر من يتألم اقتصاديا أولا.
المصدر: الحرة