ريتا واكيم مونتريال
صحيح أن اللبناني يضطر في كثير من الأحيان إلى ترك وطنه مجبراً، إلا أنه يظل مرتبطاً بجذوره. لا يترك مناسبة إلا ويسعى فيها لتخفيف بعض الهموم عن أبناء بلده. حتى بعد مرور سنوات طويلة في الاغتراب، يبقى خبزه اليومي الاطمئنان على وضع البلد، وحلمه الأول هو أن يضع خبراته في خدمة الوطن.
جان-بول عجيل هو نموذج لرائد أعمال لبناني-كندي ناجح يعمل في مجال هندسة الإضاءة ويمثل شركة “شريدر” العالمية، وهي شركة بلجيكية تُعد واحدة من أهم الشركات في صناعة الإضاءة. يعمل جان-بول في مقاطعة كيبيك الفرنسية التي تُعتبر مركز الإضاءة الأساسي في أمريكا الشمالية،. وهو خبير في تقنيات إضاءة الطرق الرئيسية، ساحات المطارات، النقل العام، والملاعب الرياضية لأكثر من 22 عاماً.
صمم أول مختبر إضاءة مستقل معتمد من NVLAP وفقاً لمعيار ISO17025. كما قام بصياغة أول طريقة اختبار للإضاءة الصلبة (LED) المتبعة حالياً في الشركات. وقد صمم ونفذ أكثر من 550 تصميمًا لإضاءة الطرق، وأكثر من 30 تصميمًا لإضاءة الأنفاق التي تستغرق دراستها أكثر من سنتين، بالإضافة إلى دراسة وتنفيذ أكثر من 15 تصميمًا لإضاءة المطارات.
يعمل أيضًا كخبير معترف به في الإضاءة من قبل المحكمة العليا في كيبيك، حيث يتم استدعاؤه للشهادة في قضايا النزاعات حول الإضاءة. يقول جان-بول: “المغترب هو صورة بلده في الاغتراب، وعلى لبنان الاستعانة بالطاقات الشبابية الاغترابية للنهوض بالبلد”.
بداية، ما الذي دفعك لترك أرض الوطن والهجرة؟
نحن جيل التسعينيات في لبنان، كبرنا في ظل الحرب وعشنا انقسامًا في الهوية الوطنية. اضطر والديّ إلى السفر بهدف حمايتنا من الحرب التي اندلعت عام 1990، مما تسبب في انسلاخ قاسٍ عن جذورنا، قريتنا، أجدادنا، أقاربنا، ورفقاء الطفولة.
ألف مبروك اختيارك لمنصب نائب رئيس لجنة إضاءة البيئات الخارجية للمطارات. نعلم أنك تستحق ذلك عن جدارة.
فعلاً تم اختياري نائب رئيس اللجنة المسؤولة عن التوصيات القياسية في المطارات IES-RP-37: إضاءة البيئات الخارجية في المطارات، اعتبارًا من يناير. أتطلع للمساهمة بأفكار جديدة والعمل جنبًا إلى جنب مع نخبة من المحترفين لتحسين راحة وأمان أنظمة الإضاءة في المطارات، والمساهمة في تشكيل مستقبل مواصفات ومعايير الإضاءة في مجال الطيران. لنعمل معًا على جعل المطارات أكثر إشراقًا، أمانًا، وترحيبًا للجميع.
انخرطت في الحقل العام في كندا. أخبرنا أكثر عن المواضيع التي سلطت الضوء عليها.
مبادرتي لدعم لبنان: من السياسة إلى المشاريع التنموية
على مر السنوات، كنتُ منخرطًا بشكل مباشر في السياسة الفيدرالية والإقليمية في كندا. أدرت الحملات الانتخابية للعديد من المرشحين، وكنتُ أيضًا مرشحًا للانتخابات الإقليمية. خلال هذه الفترة، عملتُ على مبادرات عديدة تعكس التزامي تجاه المجتمعين الكندي واللبناني.
من أبرز إنجازاتي أنني بادرتُ، بالتعاون مع كريستيان زياده وإيفا نصيف، إلى مناقشة إطلاق الرحلات المباشرة من مونتريال إلى لبنان في البرلمان الكندي. كان الهدف من هذه الخطوة تعزيز التواصل بين المغتربين اللبنانيين ووطنهم الأم، وتسهيل السفر الذي يحمل قيمة كبيرة للبنانيين في المهجر.
إلى جانب ذلك، نظّمتُ العديد من الاحتجاجات لدعم لبنان، خاصة خلال أزمة النفايات، حيث كانت تلك الفترة تشهد أزمة إنسانية وبيئية حادة. أردتُ من خلال هذه التحركات لفت الانتباه الدولي والمحلي إلى خطورة الوضع والحاجة الملحّة للتغيير.
كما التقيتُ بالقنصلية اللبنانية في مونتريال واقترحتُ فكرة إنشاء قاعدة بيانات شاملة تضم الخبراء والمغتربين اللبنانيين. الهدف من هذه المبادرة هو تمكين لبنان من الاستفادة من قدرات وخبرات أبنائه المغتربين، خاصة في ظل الوضع الراهن، حيث يمكننا تقديم خدماتنا دون أي رسوم، دعمًا للوطن الذي يحتاج إلى جميع أبنائه في هذه المرحلة الحرجة.
نعلم أيضًا أن التصوير من هواياتك التي تحولت إلى احتراف. أخبرنا كيف كان ذلك؟
لدي أكثر من 25 عامًا من الخبرة في التصوير الفوتوغرافي وتصوير الفيديو، وهي خبرة ضرورية لأي تصميم لإضاءة ملاعب رياضية نظرًا لأهمية مواقع الكاميرات ونوع مصدر الضوء المستخدم. قمت بتصوير العديد من المباريات الرياضية، بما في ذلك مباريات كرة القدم والهوكي للمحترفين، وهي كما تعلمين من أهم الرياضات في كندا.
ماذا تقول اليوم مع انتخاب رئيس جديد للجمهورية ورئيس حكومة يعمل جاهدًا على تشكيل حكومة إنقاذية للبنان؟
نتطلع بكل أمل إلى رئيس وحكومة يشرق من خلالها فجر جديد للبنان، وتستثمر طاقاتها الشبابية الاغترابية من خبراء وعلماء Actuarial ذوي خبرة في تقييم وتقدير المخاطر ودراسة خطط التنمية في اقتصادات البلد. لبنان بأمس الحاجة في هذه المرحلة المحورية من بناء الوطن.
أما هدفي المستقبلي، فهو العمل مباشرة مع الحكومة اللبنانية لإنشاء مشاريع تجريبية تُعنى بإنارة المناطق والأنفاق التي تحتاج إلى تعزيز الأمن بشكل عاجل. أؤمن أن الإنارة ليست مجرد عنصر من عناصر البنية التحتية، بل هي وسيلة أساسية لتعزيز الأمان وتحسين جودة حياة المواطنين.
من خلال هذه المبادرات، أطمح إلى أن أكون جزءًا من الجهود الرامية إلى بناء لبنان أفضل، مستفيدًا من خبراتي وعلاقاتي في كندا لتحقيق تغيير ملموس على أرض الواقع. مشروعي الرئيسي يهدف إلى تحديث البنية التحتية للكهرباء في بلدي الأم لتخفيف عبء الاستهلاك والضغط على الشبكة، مما يساهم في تقليل كلفة الكهرباء وتحسين الخدمات للمواطنين.
من الأهمية الكبرى توفير الكهرباء بشكل مستمر للمصنعين، حيث إن استمرارية الإنتاج بدون انقطاع كهربائي يُعد عاملًا حاسمًا لتحقيق التنافسية. عندما يتوفر للمصنعين تيار كهربائي ثابت وموثوق، يمكنهم زيادة الإنتاج، تحسين الجودة، وتقليل التكاليف المرتبطة بتوقف الإنتاج بسبب انقطاع الكهرباء. هذا سيسهم في زيادة القدرة الإنتاجية للبلد وبالتالي تعزيز القدرة التصديرية.
توفير الكهرباء للمصنعين سيساعد على رفع مستويات التصدير، مما سيحسن الاقتصاد اللبناني بشكل كبير. فكلما زادت صادراتنا، ارتفع الدخل القومي، مما يعزز الاستقرار المالي ويخلق فرص عمل جديدة. سيكون لذلك تأثير كبير على النمو الاقتصادي المستدام ويعزز مكانة لبنان في الأسواق العالمية.
وفي المرحلة الثالثة، يجب بناء محطات كهرباء جديدة لتوفير الكهرباء للمواطنين، مما يسهم في تلبية الطلب المتزايد على الطاقة في المستقبل وتطوير شبكة كهرباء مستدامة وموثوقة.
على صعيد تقنيات كفاءة الإضاءة، عملتُ لمدة 15 عامًا في مختبر إضاءة حيث طورتُ العديد من البرامج بالتعاون مع شركة هيدرو كيبيك، وهي الشركة المعنية بتزويد الكهرباء في المقاطعة، بهدف تقليل استهلاك الطاقة. شملت هذه البرامج تحويل المصابيح التقليدية إلى مصابيح LED، واستبدال المحولات المغناطيسية بمحولات إلكترونية. خبرتي في هذا المجال يمكن أن تكون مفيدة جدًا لوزارة الطاقة في لبنان، حيث يمكن تطبيق هذه الحلول لتقليل استهلاك الطاقة، وبالتالي زيادة ساعات الكهرباء المتاحة للمواطنين.
كلمة اخيرة تود ان توجهها للبنانيين في لبنان وفي المهجر؟
في لبنان، أريد أن أقول لهم ثقوا بنا وفهموا أننا لا زلنا لبنانيين. أريدهم أن يفهموا أننا نفكر فيهم مع كل نفس نأخذه، نشعر بألمهم وضغوطهم. أريد أن أقول لهم شكرًا لحمايتكم لبلدنا.
أما اللبنانيين في المهجر، أرجوكم ساعدوا لبنان بأي وسيلة ممكنة. المال جيد، ولكن وقتكم هو الأثمن.