هل للخيال حدود في أدب الطفل؟

هل يُطرح تساؤل هام حول وجود حدود للخيال في أدب الطفل، خاصة مع رفض بعض النصوص بذريعة «الإفراط في الخيال». وللإجابة على هذا التساؤل، علينا أولاً أن ندرك أهمية الخيال كركيزة أساسية في النمو المعرفي للطفل، ودوره في تنمية قدراته الإبداعية، وقدرته على التعلم، وفي بناء شخصيته وتشكيل نظرته للعالم.

 

فالخيال هو تلك القدرة المدهشة على تكوين صور وأفكار جديدة غير موجودة في الواقع، وهو ملكة إنسانية أساسية تُساعد الطفل على التفكير الإبداعي وحلّ المشكلات والتكيّف مع تحديات الحياة.

 

يمتلك الأطفال خيالًا واسعًا يختلف عن خيال الكبار، فهو عفويٌّ وغير محدود، مليء بالعجائب والغرائب. يرى بياجيه (Jean Piaget) وهو عالم نفس سويسري رائد، يُعتبر أحد أهم الشخصيات في مجال علم النفس التنموي، أن الأطفال يكتسبون المعرفة من خلال التفاعل النشط مع بيئتهم. فهم ليسوا مجرد متلقين سلبيين للمعلومات، بل يبذلون جهدًا لفهم العالم من حولهم وبناء معرفتهم الخاصة. ويبدأ دور الخيال في هذه العملية مبكرًا، في مرحلة ما قبل العمليات (من عمر سنتين إلى سبع سنوات)، حيث يستخدم الطفل الخيال لفهم العالم وتمثيله، وذلك من خلال اللعب التخيلي، الذي يُمثل أداةً أساسيةً لتطوير التفكير الرمزي وفهم العلاقات السببية. وقد أشارت دراسة هايت وميلر(Haight & Miller, 1993) إلى أن اللعب التخيلي يزداد بشكل مطرد خلال هذه الفترة العمرية، وأن ثلاثة أرباع هذا اللعب يكون اجتماعيًا بطبيعته، حتى في مراحله المبكرة.

 

الحقيقة أن الخيال يبقى ملكةً إنسانيةً مهمةً تُثري حياتنا وتُنمّي إبداعنا، بغض النظر عن العمر، وإن اختلفت طرق التعبير عنه. فبينما قد يُصبح خيال الكبار أكثر توجيهًا نحو الأهداف والمسؤوليات، إلا أنّه لا يختفي تمامًا. بل يتخذ أشكالًا مُختلفة، مثل التفكير الإبداعي في العمل، أو ممارسة الهوايات الفنية، أو حتى في أحلام اليقظة.

 

ولكن، كيف يمكن للكاتب أن يُطلق العنَان لخياله دون الإفراط فيه؟ وكيف يمكنه تقديم قصص خيالية هادفة وممتعة للأطفال دون الوقوع في فخ «الإفراط في الخيال»؟

 

للإجابة عن هذا السؤال، علينا أولاً أن نفسر ماذا نعني بـ «الإفراط في الخيال» في أدب الطفل، وهنا يُمكن أن نعتبره المبالغة في الابتعاد عن الواقع أو تقديم محتوى غير مُناسب لعمر الطفل وإدراكاته المحسوسة، مما يُؤدي إلى صعوبة فهمه أو التفاعل مع النصوص المقدمة له. ولكي يتجنب الكاتب هذا الإفراط، يجب أن يُوظّف الخيال كأداة لفهم الواقع والتفاعل معه، ليُقدم قصصًا مُمتعة ومُفيدة للطفل.

 

أولاً: يجب أن ندرك أن الخيال ينطلق من الواقع ويعتمد عليه، حتى وإن بدا مبتعدًا عنه. فالطفل يبني عالمه الخيالي انطلاقًا من خبراته وتجاربه في العالم الحقيقي. لذا، من المهم أن يرتبط الخيال في أدب الطفل بواقعه، وأن يساعده على فهمه والتفاعل معه بشكل أفضل.

 

ثانيًا: يجب مراعاة المرحلة العمرية للطفل عند تحديد «حدود» الخيال. فما قد يُثير خيال طفل في السادسة من عمره قد لا يكون مناسبًا لطفل في العاشرة. لذا، يجب على الكاتب أن يُراعي مستوى نضج الطفل وفهمه عند صياغة عالمه الخيالي.

 

ثالثًا: يمكن للخيال أن يكون أداةً للتعلم واكتشاف العالم، وليس مجرد هروب منه. فمن خلال القصص الخيالية، يمكن للطفل أن يتعلم عن الثقافات المختلفة، ويكتشف عجائب الطبيعة، ويستكشف عالم المعرفة.

 

رابعًا: يجب على الكاتب أن يُوظّف الخيال بذكاء لخدمة أهداف تربوية وإنسانية. فمن خلال القصص الخيالية، يمكن للطفل أن يتعلم قيمًا مهمة مثل التعاون، والتسامح، والشجاعة. كما يمكن للخيال أن يساعد الطفل على التعامل مع مواقف صعبة، مثل الفقدان، والخوف، والتنمر.

 

خامسًا: يجب أن يكون الخيال في أدب الطفل ممتعًا وشيقًا. فالطفل ينشد المتعة والتسلية في القصص التي يقرأها. لذا، يجب على الكاتب أن يُقدم قصصًا غنية بالصور والشخصيات المتنوعة، وأن يُستخدم لغةً سهلة وسلسة.

 

أمثلة على كتب أطفال ناجحة:

«الأمير الصغير» لأنطوان دو سانت إكزوبيري: قصة رمزية تُناقش مواضيع عميقة مثل الحب، والصداقة، ومعنى الحياة، بلغة بسيطة وصور خيالية أثرت في أجيال من القراء.

«مغامرات بينوكيو» لكارلو كولودي: قصة كلاسيكية تُعلم الأطفال أهمية الصدق والطاعة من خلال رحلة دمية خشبية تحلم بأن تصبح صبياً حقيقياً.

«أليس في بلاد العجائب» للويس كارول: قصة خيالية تُطلق العنان لخيال الأطفال وتُشجعهم على التفكير بشكلٍ مُختلف من خلال أحداثها العجيبة وشخصياتها الغريبة.

«سلسلة هاري بوتر» لـ ج. ك. رولينج: سلسلة خيالية ضخمة أدخلت عالم السحر والخيال إلى قلوب الملايين من الأطفال حول العالم.

 

رسالة إلى ناشري كتب الأطفال والكتّاب:

 

لا تقتلوا الخيال، بل اجعلوه ينبض في كل صفحة، في كل قصة، في كل كتاب.

 

المصدر: جريدة الدستور

شاهد أيضاً

الطائرات إلى لبنان “مفوّلة”… والحركة “مقبولة”

فسحة أمل يمنحها خبر “تفويل” الطائرات المُتّجهة إلى لبنان على مشارف الأعياد، ولكن رغم إيجابيّة …