وبسبب عينيه الزرقاوين الجذابتين ووسامته، كان يُشار إلى ديلون أحيانا بأنه “فرانك سيناترا الفرنسي”، في إشارة إلى المغني والممثل الأميركي من أصل إيطالي، وهي مقارنة لم تعجب ديلون. لكن على خلاف سيناترا الذي دأب على نفي اتصاله بالمافيا، عبر ديلون علناً عن تقديره لأصدقائه الغامضين من عالم الجريمة.
وأصبح ديلون نجماً في فرنسا وحظي بالإعجاب الشديد من الرجال والنساء في اليابان، إلا أنه لم ينجح بالقدر نفسه في هوليوود، على الرغم من تمثيله مع عمالقة السينما الأميركية مثل بيرت لانكاستر الذي أدى دور مرشد القاتل (سكوربيو)، الشخصية التي جسدها ديلون، في الفيلم الذي حمل الاسم نفسه من إنتاج 1973. ووصفته الصحافة بـ”الوحش المقدّس” للسينما الفرنسية.
وكان ديلون المصاب بسرطان الغدد الليمفاوية قد وضع تحت الحماية القضائية منذ يناير (كانون الثاني) الماضي مع تعيين وكيل قضائي لمعاونته في ما يتعلق “بمتابعته طبياً”. ومذاك، يخوض أبناء النجم الثلاثة حرباً ضروساً في ما بينهم، على صفحات الصحافة أو في القضاء، ويؤكد كل منهم رغبته في حماية الممثل الفرنسي الكبير الذي تدهورت صحته منذ إصابته بسكتة دماغية في 2019. وتصدّر عناوين الأخبار في صيف 2023 عندما رفع أبناؤه الثلاثة دعوى ضد المعاونة المنزلية للنجم هيرومي رولان، التي يُقال أحيانا إنها شريكته، متهمين إياها باستغلال ضعف والدهم. وأوصى في سنواته الاخيرة بالموت الرحيم.
نبذة
آلان ديلون صاحب الملامح الأرستقراطية الملائكية، (اسمه الحقيقي ألان فابيان موريس مارسيل ديلون) ممثل ومخرج ومنتج فرنسي، ولد في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني 1935 في أوت دو سين في إيل دو فرانس بفرنسا، وينحدر من أصول إيطالية ألمانية لوالديه، وقد بدأ مسيرته الفنية في الفيلم القصير “الاختطاف” (Le rapt) عام 1949.
التقى ديلون مع مكتشف المواهب الأميركي هنري ويلسون واجتاز معه اختبار التمثيل بنجاح لكنه لم يذهب إلى هوليوود، بل فضل البقاء في فرنسا التي حقق فيها نجاحاً واسعاً في فيلم “نون الأرجواني” في العام ذاته، إذ قدم فيه دوراً نفسياً مركباً. أطلقت عليه الصحافة لقب “ساحر النساء”، وحظي بشعبية كبيرة منذ ظهوره على شاشة السينما الروائية لأول مرة في الخمسينيات من القرن الماضي.
عند الحديث عن آلان ديلون لا يمكننا إلا أن نتذكر ساعة لقائه الصحافي الفرنسي ميشيل دروكير الذي تربطه به علاقة صداقة منذ زمن بعيد، حيث يقول دروكير: كنت على موعد مع آلان ديلون في مطعم لورون مطعم الوزراء ورجال الأعمال والشخصيات المرموقة في باريس، وعندما وصلت حسب الموعد وجدته يتحاور مع امرأتين شقراوين، فجلست بعيداً بعض الشيء كي أفسح له المجال لإنهاء الحوار، وكنت أنظر إليهما كيف تحدقان به وهو منطلق في الحديث، وعندها قلت في نفسي إنه يوم جميل وسيكون اللقاء ناجحاً، فالحوار مع آلان ديلون ليس سهلاً ويمكن أن تتوقع منه أي شيء، فهو معروف بغضبه السريع إذا استفز بطريقة أو بأخرى، ولحسن الحظ أنني في هذا اليوم وجدته مبتسماً وسمعت سيدتين تتحدثان بهمس مسموع وتقولان إنه مازال وسيماً وجذاباً كما عرفناه .
ثمّة نساء في حياة آلان ديلون كان لهن مكانة خاصة مثل نتالي، المرأة الوحيدة في حياته التي حملت لقب مدام ديلون، والتي أنجب منها ابنه أنتوني، وميراي دارك صديقته وأكثر المقربات منه والتي تعرفه جيداً عن ظهر قلب، وكذلك الممثلة رومي شنايدر. في كتاب (نجومنا وإلى الأبد) تأليف المؤرخ السينمائي الفرنسي الكبير بيير تشرنيا، الصادر عن دار نشر (لاروس) الشهيرة في باريس؛ يكتب تشرنيا عن آلان ديلون في مقال بعنوان “آلان ديلون السيد واللص”، ويصدر مقاله بكلمة كتبتها الممثلة النمساوية الجميلة رومي شنيدر عن ديلون تقول فيها: “آلان شخص أرستقراطي طبيعي، يكمن في داخله إنسان من عصر النهضة، وعندما تقترب منه، ستكتشف كرماً لا حد له، ورقة غير معهودة”.
برع ديلون في أدوار الجريمة على غرار فيلم “أي عدد يمكنه الفوز؟” 1963، ونال شهرة كبيرة بفيلم “الساموراي” عام 1967، كما حقق نجاحاً ساحقاً في فيلم “بورسالينو” عام 1970. كما نجح في أفلام المغامرات مثل فيلم “التوليب الأسود” 1964 وفيلم زورو 1975.
وفضلاً عن الانتشار الجماهيري الذي يعود أساساً إلى جاذبية ديلون والكاريزما القوية التي يتمتع بها، فإنه انتزع ترحيب النقاد خصوصاً إثر أدائه في فيلمي “السيد كلاين” 1976 و”سوان يحب” 1984.
ونال ديلون عدة جوائز فنية، منها جائزة سيزار لأفضل ممثل، وجائزة الدب الذهبي الفخرية، واعتُبر الرجل الأكثر جاذبية في العالم، وأعلن اعتزاله العمل الفني في 6 أيار 2017.
انقطع ديلون عن العالم مُحتمياً بمنزله قرب باريس الذي حوَّله إلى متحف خاص بالمئات من صوره وملصقات أفلامه. كما نقل إقامته المالية إلى سويسرا تهرّباً من ضريبة الدخل الفرنسية الباهظة. وهو لم يكن نجماً سينمائياً شهيراً فحسب، بل الأكثر أجراً بين ممثلي الصف الأول على مدى عقود؛ الأمر الذي أتاح له أن يستثمر أمواله في أكثر من مجال، وأن يجمع ثروة تُقدّر بنحو 300 مليون يورو. وهو كان يتمنّى أن يفارق الحياة بسلام لولا أن ورثته كرروا الفيلم ذاته، وانتهت سيرة ألان ديلون بخاتمة محزنة.