“عندما تقررون الرحيل.. ارحلوا إلى الأبد..”، هكذا كتبت “أميرة سكر”..

في اليوم الأول بعد رحيله، صامَت روحها عن لقائها به في الأزل المنشود وتعالت وسمت لتبحث عنه فوجدت حاجبا على باب روحه يعزلها عن اللقاء به ويقول لها بفظاظة ترجلي وارحلي وعودي أدراج الخيبة ولا تسألي وضرب بينها وبينه حاجبا لا ينجلي.

كان المُلهِم والنديم والصاحب والخليل لكنه قرر يوما الرحيل.. لم يخبرها بلسانه، ولا بقلبه ولم يشاركها في قراره ولم يُعلن الحجج ولا المواقف

 

لكنه غاب ولم يعلن الأسباب ولم يغلق خلفه الباب .. تركه مواربا مفتوحا لعله يوما يعود فيجده حاضرا ناضرا نديا يخفق باسمه.

 

كانت حاملا به في عامها الأول.. حاملا بكل أنواع الحب والعشق والولع.. حاملا بكل معاني الغرام ومشتقاته.. حاملا بجنين منه يتكون في روحها ويتحرك في احشائها حملت به منه

وحلمت بعشقها ينمو في أحشائه أيضا واشتقت لنفسها شقا من نفسه ووضعته في ايقونة علقتها حول جيدها ثم وشمت روحها بحروف اسمه فأصبح اسمه أزليا لا يزول.

 

لكنه غاب ولم يعلن الاسباب ولم يغلق خلفه الباب.. تركه مواربا مفتوحا لعله يوما يعود فيجده حاضرا ناضرا نديا يخفق باسمه.

 

لم يحدثها يوما عن الرحيل ولم يلمح لها عن أي رحلة ينويها.. قال لها أنت عشقى وفؤادي.. أنت ولعي وشجوني وبك أتنفس الحياة وأتنشق الأمل..

قال لها أنت في هيامي بوصلة وفي قيامي صلاة وفي منامي ملكوت وفي ألحاني نغم أصيل وفي صوتي ناي يشجو وفي مزاجي قهوة محمصة حبوبها بصبر على نار عشقي بك..

 

لكنه غاب ولم يعلن الاسباب ولم يغلق خلفه الباب، تركه مواربا مفتوحا لعله يوما يعود فيجده حاضرا ناضرا نديا يخفق باسمه.

 

غدت في قيامها وصيامها ونسكها وصلاتها تناجيه وتولي وجهها شطر بحوره وجباله وسهوله وقنواته، تبحث عنه في كل الأبعاد فلا تمسه ولا تلمسه ولا ترتقيه.. حتى تحجر رحمها معلنا وفاة جنينها…. وكان المخاض عسيرا لكنه كان شر لا بد منه..

قمة السعادة في الألم.. وقمة الألم في السعادة لا يمكنك أن تفصلهما أو تختبرها أو تمخر عبابها او أن تنتشلها ولا ان تنتشي بها.. فقط تتخربط وتتفكك وتتكركب داخليا…

لانه قرر أن ينشد طريقه بعيدا عن مسارها ويسلكها في مسار بعيد.

 

فهو غاب ولم يعلن الأسباب ولم يغلق خلفه الباب، تركه مواربا مفتوحا لعله يوما يعود فيجده حاضرا ناضرا نديا يخفق باسمه.

 

أو هكذا ظنت……..

فأنت عندما تغلق الباب فأنت تحمي ساكن الدار من كل شر أو غدار لكنك عندما تشرع بابه فأنت لا تهتم بمحتوياته أو مصير قاطنيه او أمنهم، خاصة ان كنت تدرك قيمتهم وقامتهم.

…………………. …………………

عندما تقررون الرحيل ارحلوا للابد وأوصدوا الباب وراءكم ولا تعودوا ولا تنظروا خلفكم لأنكم ان نظرتم للوراء فانتم هالكون عالقون بين الماضي والغد…

ضعوا حاجبا بين ذكرياتكم ومستقبلكم ولا يجرفنكم الحنين يوما فيأخذكم بسطوته فتكونوا هالكين. واحترموا حرمة الدار فلا تشرعوا بابها لأي غدار يتربص..

وانتم القابعون في الدار الرابطين على أبوابه المعسكرين في جنباته.. استيقظوا ولا تسلموا مفاتيحكم لاحد… واحرصوا يوميا على تفقد ثغراتكم وحدودكم وقنواتكم واتركوا الباب مفتوحا دون مواربة فكل من يرغب بالرحيل فليرحل وكل من يرغب في البقاء فليقطن

لكن ضعوا على كل باب حاجبا للحراسة.. فالأمن لا علاقة له بالنوايا.. والحرص أثمن كنوز البرايا..

 

فهو وإن غاب وإن لم يعلن الأسباب فلا تسمحوا إلا بأن يُغلَق الباب يوميا دون أي عتاب او عقاب أو ثواب..

ولا تكونوا مطلقا حاضرين ناضرين لكل من ترككم ورحل..

 

أميرة سكر

شاهد أيضاً

أنا محاربة بقلم: – دعاء نعيم…!

أنا محاربة بقلم: – دعاء نعيم لا نحتاج لمن يهدينا الورود ولا يوم يكفينا، حاربت …