أوركسترا الشباب للموسيقى الشرق-عربية تحيي ذكرى شهداء الصحافة… والقواس: الحرية ليست خيارًا بل شرط وجود

“نغني للحرية”  كان عنوان الحفل الموسيقي الذي دعت اليه رئيسة المعهد الوطني العالي للموسيقى ـ الكونسرفاتوار المؤلفة الموسيقية هبة القواس ونقابة محرري الصحافة اللبنانية في مناسبة يوم 6 أيار ذكرى شهداء الصحافة اللبنانية والذي أقيم في الكنيسة الإنجيلية في القنطاري.

أحيت الامسية اوركسترا الشباب للموسيقى شرق – عربية وكورال القسم الشرقي في الكونسرفاتوار بقيادة المايسترو فادي يعقوب وقد أدت الحانا واغنيات للاخوين رحباني،وديع الصافي، زكي ناصيف، وليد غلميه،إيلي الشويري، مرسيل خليفه، والأخوين فليفل.

إفتتاحًا ألقت المستشارة الثقافية والإعلامية في المعهد الوطني العالي للموسيقى الإعلامية ماجدة داغر كلمة جاء فيها:
أيها الناهضون من مدارات الصمت هنا، في هذا الفضاءِ المقدسِ الذي يترددُ فيه صوتٌ أبلغُ من كلِّ الكلام، نستحضرُ قاماتِ الزمنِ اللبنانيِّ الشامخ، نستدعي شهداءَ الكلمة الذين بذلوا نبْض قلوبِهم ليبقى صوتُ الحقِّ مدوّيًا في وجه الزَيف. أيها المسافرون في آفاق الكلمة الحرة أنتم شهودُنا الأحياء على أنَّ للصدقِ ثمنًا أغلى من الحياة، وأنَّ للحريةِ نورًا في أعماقِ الوجدان. أيها المسافرون في عروق هذه الأرض، حيث، يجري دمُ الكرامةِ عصيًا على الترويض.
إنَّ تذكُّرَنا لكمُ اليوم ليس رِثاءً لما مضى، بل هو استنطاقٌ لقوةٍ صامتة تسكُنُنا، قوةِ الكلمة التي هزمتِ الموت. أيها الأحباء، إنهم ليسوا ذكرى، بل هم بوصلةٌ تُشير إلى اتّجاهِ النورِ في عتَمةِ التيه. إنهم بذورُ الشكِّ العميقِ الذي يُزهر يقينًا بالعدل، ويدعونَنا،إلى أن نكونَ دائمًا على حافةِ السؤال، سؤالِ التمرّدِ على كلِّ نقيضٍ للحرية. مع كل نغمةٍ ترتفع الليلة، نعلنُها لغةً أخرى للروح: لبنانُ ليس مجردَ بقعةٍ على الخريطة، بل هو فكرةٌ عصيّةٌ على الفناء، هو حلمٌ بالتحليقِ فوق غيومِ الخوفِ وقيودِ الوهم، هو إيمانٌ راسخٌ بأن الكلمةَ الحرة هي النشيدُ السرمدي للكرامةِ الإنسانية.
لبنان، هذه القطعةُ من الروحِ المعلقةِ بين سماءِ الأحلام وواقعِ التحدي، لم تُخلق لتكونَ مرتعًا للخانعين. حريتُه ليستْ نقشاً باهتاً على جدار الذاكرة، بل هي زلزلةٌ خفيةٌ تهزّ أركانَ الرّكود، هي تلك الشرارةُ المقدسة على أسوارِ الخِذلان.
حريتُنا هي قدَرٌ مُشتعلٌ في ضمائرِنا، هي معركةٌ نخوضُها بأنفاسنا الأخيرة، بشعريّةِ الروح وعنادِ الأحرار. أيها الناهضون من ركامٍ مصطَنع، من ذكراكُم نستمدُّ اليقين. لتكن ألحانُنا في هذا المساء البهيّ إعلاناً أبدياً عن ولائنا لتلك الأرواح التي بُذلت لكي تُصانَ الحرية. أيها السيدات والسادة الشهادةُ ليست قدرَنا المكتوب، بل قدرُنا هو الحريةُ ، ثم ألقت هبة القواس كلمة في المناسبة جاء فيها: منذ العام 1916، حين سقطتْ الكلمة على المِقصلة، وارتفعَ الحبرُ إلى مصافِ الدم، خُطَّ تاريخُ لبنانَ الحديث لا بالسيوف، بل بالأقلام. شهداءُ الصِّحافةِ اللبنانية لم يكونوا مجردَ ناقلينَ للخبر، بل صانعو الوعي، حرّاسُ الضمير، ومهندسو الوجدان الجمَعي لهذا الوطن.
من ساحةِ البرج يومَ كانت بيروت شاهدةً على الإعدامات، حتى اليوم، حيث تهتز تحت صمتٍ مقنّع، وأصواتٍ مكمَّمة، ظلّ المحرّرُ اللبنانيّ شاهداً وشهيداً، مقاوماً بالفكرة، بالكلمة، بالحقيقة.
الصِحافي في هذا الوطن لم يكن ناقلاً للأحداث، بل حاملاً رسالة. وكم من قلمٍ في لبنان دفع ثمنَ الكلمةَ حريةً أو حياة؟ من زمنِ الإعداماتِ إلى زمنِ الإغتيالات، من قمعِ الرقابةِ إلى ضجيجِ التسويق، بقي الصحافي اللبناني وفياً لجوهرِ رسالتِه. إننا اليوم لا نحيي مجردَ ذكرى، بل نستحضرُ مسيرة… مسيرةُ صحافةٍ حملتْ على عاتقِها بناءَ لبنانَ الفكرة، لبنانَ الرأيِ الحر، لبنان المختلف الذي لا يشبهه أي وطن، لأنهُ يتَشكّلُ كلّ يومٍ من جرأة صحافي، ووجعِ كاتبٍ، ونبضِ قارئ.
واليوم، في ظلِّ موجةِ التسليعِ التي تقتحمُ كلَّ شيء: الفن، الإعلام، وحتى الحقيقة… نرفع صوتاً آخر، صوتَ الموسيقى الجادة. صوتٌ لا يروّجُ، بل يوقظ. لا يبيع، بل يبني. من هنا، من الكنيسة التي كانت دوماً ملاذًا للروح، ومن خلالِ هذه الأمسية التي يقودُها شبابُنا – أوركسترا الشباب للموسيقى الشرق-عربية وكورال القسم الشرقي في الكونسرفتوار – نغنّي للحرية.
اخترنا هذه الأوركسترا لأنهم جيلٌ لا يحمل فقط آلاتٍ موسيقية، بل يحمل هويةً موسيقية. جيلٌ يعزفُ ليس على أوتارِ العودِ والكمانِ فحسب، بل على أوتارِ الأسئلةِ الكبرى: من نحن؟ ماذا نريد أن نكون؟ ولِمن نَعزف؟ نعزف اليوم، لأنَّ أصواتَنا كفنّانين جادّين بحاجةٍ إلى أقلامِكُم لتُسمَع. وأنتم، كحرّاسِ الحقيقة، بحاجة إلى موسيقانا كي تتردّدَ كلماتُكم في عمقِ الشعور، لا على سطح النشرة.
لذا فإنّ هذا التلاقي بين الصِحافة والموسيقى ليس طارئًا، بل هو تحالفٌ تاريخي بين الكلمةِ والنغمة، بين المعنى والإحساس، بين الوعي والإلهام. ولأن الكلمةَ الحرة لا تموت، والموسيقى الصادقة لا تُقمع، نقولُ اليوم:
“الحريةُ ليست خيارًا، بل شرطَ وجود.”
“كل ما لم يُكتب… سقطَ مرتين.”
“ليسَ كلُّ صمتٍ سلام. بعضُه جريمةٌ موثّقة.”
“الصِحافة الحرة ليست مرآةَ الواقع فقط، بل محرّكُه.”
“إذا اختنقتْ الكلمة، تنفّستْ بالموسيقى.”
“نغني اليوم لنُذكِّر… نغني كي لا ننسى.”
أيها الحضور، فلنقفْ اليوم ليس فقط احترامًا لشهداء الصِحافة، بل وفاءً لمسيرتِهم، والتزامًا بواجبنا كموسيقيين وصحافيين، أن نحميَ هذا الوطن من الصمت، كما نحميه من الكذب. واليوم، في هذا اللقاء، لا نقدّمُ حفلاً موسيقياً بقدْر ما نردُّ تحيةَ الوفاء إلى أهلِ الوفاء… نقولُ لنِقابة المحررين، ولنقيبِها الأستاذ جوزيف القصيفي، أنتم الذين واكبتُم خطواتِنا الثقافية، حفلاتِنا، إبداعاتِ طلابِنا، وكلماتِنا الموسيقية. أنتم من جعلَ صوتَنا يصلُ إلى القارئ، ووقْعُ نغَمِنا يترددُ في أروقةِ الكلمة.
إنّ هذا الحفل هو هديتُنا المتواضعة إليكم، لأننا نؤمنُ أنَّ شراكةَ القلم والنغمة ليست تجمّلاً بل ضرورة. فنحن في المعهد الوطني العالي للموسيقى، نحملُ عبءَ تكريسِ الموسيقى الجادة في زمنِ الاستهلاك، مثلما تحملون أنتم عبءَ الحقيقة في زمنِ التزييف. شراكتُنا لا تُقاسُ بعددِ المقالات، بل بقيمةِ الموقف. أنتم تفتحون مساحةً لثقافةٍ نادرة، ونحن نمنحُ هذه الثقافة صوتاً عابراً للحدود.
أنتم تمسكونَ القلمَ بشجاعةٍ، ونحن نواجهُ الصمتَ بالصوت ، فلنَقلْها بصوتٍ عالٍ: “لا تُحمى الحقيقةُ إلا بثلاثة: قلمٌ حر، موسيقى صادقة، وذاكرة لا تنسى. كل الشكر لنقابة محرري الصِحافة اللبنانية على جميع جهودِها لاعلاءِ رسالةِ الصحافة، ولكلِّ قلمٍ ما زال يكتبُ رغم الظلمة… ولكل نغمةٍ ما زالت تعلو رغم الضجيج. فلنغنِّ للحرية… بصوتِكم… وبصوتِنا”.
ثم ألقى نقيب محرري الصحافة اللبنانية جوزف القصيفي كلمة جاء فيها:

حَرِّرْ وَحَرِّرْ يَا قَلَمْ 
وَانْشُرْ عَلَى هَذِي الْقِمَمْ
كَرَامَتِي هُوِّيَّتِي، 
صَحَافَتِي حُرِّيَّتِي 
كَتَبْتُهَا، سَطَّرْتُهَا 
حِبْرًا وَدَمْ
حَرِّرْ وَحَرِّرْ يَا قَلَمْ
لِلْحَقِّ نُعْلِي بَيْرَقَهْ
وَمَا خَشِينَا الْمِشْنَقَهْ
صِدْقٌ… وَعَزْمٌ عَانَقَهْ
أَرْزًا عَلَى صَدْرِ الْعَلَمْ 
حَرِّرْ وَحَرِّرْ يَا قَلَمْ 
صَحَافَةٌ هِيَ الرِّيَادَهْ
حَازَتْ أَكَالِيلَ الشَّهَادَهْ
حُرِّيَّةٌ، فِكْرٌ، شَهَادَهْ 
تَوَهَّجَتْ مُنْذُ الْقِدَمْ
حَرِّرْ وَحَرِّرْ يَا قَلَمْ
فِي الْبُرْجِ كَانَ الْمُبْتَدَا
أَلْحَقُّ حَقًّا يُفْتَدَى
مَجْدًا، وَعِزًّا، سُؤْدُدَا
مُدَوِّيًا كَانَ الْقَسَمْ 
حَرِّرْ وَحَرِّرْ يَا قَلَمْ
لُبْنَانُ يَا رَمْزَ الشَّمَمْ 
أَهْلُوكَ يَا فَخْرَ الْأُمَمْ 
فَسَيْفُنَا صِنْوُ الْقَلَمْ
يَزْرَعُ مَجْدًا فِي الْقِمَمْ
حَرِّرْ وَحَرِّرْ يَا قَلَمْ

نغني الليلة للحرية، ونشهد لها، بالحناجر المذهبة والانامل الماسية التي تضيء أمسيات لبنان بانوار إبداعاتها،المتوهجة باللحن ينساب إلى كياننا انسياب الدم في العروق، والينابيع المنبجسة من أودية الدهشة يحيي ماءها يباس الارض. نغني الليلة الحرية، نناديها، نشدها من شعرها، متوسلين: لا تغادري ربوعنا، إبق هنا، لا تخافي السيف والسياف، السلطة والسلطان، ولك من دم الاحرار القربان الذي يقدم فداء عنك.

في البرج كان المبتدا ومنه إلى كل لبنان : صحافيون، مصورون، صبغوا جغرافية الوطن بالأحمر القاني، وتساموا كالارز شموخا. سلسلة موصولة مترابطة الحلقات منذ العام 1916 إلى يومنا هذا. تعددت الميادين والعناوين والموضوع واحد: تعشق الحرية حتى الشهادة.       

                

نقابة محرري الصحافة اللبنانية التي يزخر سجلها بأسماء من ارتقوا في سبيل الحرية التي نغني لها الليلة، يتقدمهم  نقيبها نسيب المتني وسواه من أصحاب الجباه المؤتزرة بالفداء، يشرفها أن تحيي هذه الأمسية بالتعاون مع ” الكونسرفاتوار الوطني ” بمبادرة مشكورة من رئيسته المؤلفة الموسيقية هبة القواس، وهي من القامات والهامات اللبنانية التي نفخر بها، وبما تمثله من حضور وتألق والتزام بقيم لبنان الخير والحق والجمال،واندفاع غير مسبوق في أبراز ما أشرق في تاريخه، وما حسن.

                   
لا فكاك بين الحرية والصحافة، طريقهما واحد إلى الشهادة، ولا معنى للشهادة إذا لم تنبثق من الحرية، ولا مذاق للحرية اذا لم ” تتبل” بحبر كرامة الوطن والانسان تخطه يراعة الصحافيين في كل زمان ومكان.
 
وقدّم النقيب القصيفي درعًا تكريمية لرئيسة المعهد الوطني للموسيقى المؤلفة الموسيقية هبة القواس معتبرًا أنها درع وطني وفني يهدى لبنان الأمل والإبداع الدائم.

شاهد أيضاً

جورج خباز يواصل حصد الجوائز العالمية عن “يونان”… وهذه المرة من إسبانيا

نال الفنان اللبناني جورج خباز جائزة أفضل ممثل عن دوره في فيلم “يونان” للمخرج أمير …