رسالة مفتوحة إلى معالي وزير التربية والتعليم العالي,

منذ عقود والمدارس الخاصة تتعرض للمحاربة الشرسة حتى غدت صورتها مشوّهة وكأنها هي الغول الذي يبتلع مال الشعب والمضحك المبكي أن من سكت لسنوات عديدة وما زال يسكت حتى الآن عن الفساد والسرقة, سواء أكانا من قبل أغوال السياسة أم من قبل كارتيلات المصارف, صار له اليوم صوت يعلو ويناطح السحاب ويصرخ عاليا:
“لا لدفح مستوجباتنا للمدارس الخاصة. لا لتأمين مستحقات الأساتذة. نعم للتعدي على حقوق من تعب ليعلم أولادنا. نعم للترفيع العشوائي من دون استحقاق. نعم للمشاركة بمفاقمة الأزمة المادية وباقفال الدور التربوية وبرمي الأساتذة بين سندانَي البطالة الشرسة ولقمة العيش الضائعة. نعم لسلب حقوق بعضنا.”
صار صوت الشعب عاليًا ومتعاليًا وكلامه سرياليًا يهوى الشعبوية والتجييش لأن الناس في وضع يرثى له فبتنا ننهش بعضنا بعضا… والحكام يشاهدون ويتفاخرون بهذا المجد العظيم.

اليك حضرة الوزير بعض النقاط التي علينا جميعا إمعان النظر فيها قبل وقوع الكارثة:

1- في حال لم يسدد الاهالي ما يتوجب عليهم للمدرسة بعد حسم جزء من الأقساط (بعد دراسة حسابية لا اعتباطية) فسوف يقفل عدد كبير من المدارس الخاصة ويغدو آلاف الموظفين عاطلين عن العمل.

2- أكبر الشركات في العالم (برصيد يوازي آلاف مليارات الدولار) سرّحت المئات من موظفيها لعدم امكانيتها تسديد أجورهم في هذه المحنة الكورونية. فكيف للمدارس الخاصة الصمود وتسديد اجور موظفيها؟
الا يوجد صلة وصل بين ايرادات المدارس ومدفوعاتها؟ انها لمسألة حسابية بسيطة وواضحة!

3- عندما تطرح أمامكم قضية تحصيل الأقساط, تقولون:
” لكن لم تعلموا الا شهرين!”
عندما تتكلمون عن أجور الأساتذة تقولون:
” هم علّموا وأكملوا واجباتهم بالتعليم عن بعد!”
عندما تطرح أمامكم قضية تحصيل الأقساط, تقولون:
“يمكن لذوي الطلاب فسخ عقودهم مع المدارس في هذه الظروف الاستثنائية!”
عندما تتكلمون عن أجور الأساتذة تقولون:
“يجب على أدارات المدارس احترام العقود التي ما بينها وبين الاساتذة والالتزام بها!””

لا تعليق أمام هذا التناقض.

4. على المدارس الخاصة متوجبات باهظة للدولة، ليس أقلها مثلاً دفع مبالغ طائلة للضمان الاجتماعي وصندوق التعويضات التي نسددها على أكمل وجه، في حين تتقاعس الدولة عن مسؤولياتها حيال معلمي المدارس الرسمية وكليات الجامعة اللبنانية، حيث تتعاقد معهم بالساعة ولا تثبتهم، فلا تدفع لهم بدلات الضمان والتقاعد !
أما وزارة المال, فهي عاجزة عن دفع مستحقاتها للمدارس الخاصة شبه المجانية منذ العام 2015!!!!
فهل لدى المدارس الخاصة امكانات تفوق امكانات الدولة؟؟؟
تحاسبون المدارس الخاصة على عجزها المادي الذي لم يتعدَّ الأشهر وبظروف كارثية!!
ومن يحاسب الدولة على عجزها عن دفع مستحقاتها لسنوات عديدة وبظروف طبيعية؟؟
5- ولا تقف المقارنة عند حدّ الضمانات التي تعطيها المدارس الخاصة إلى موظفيها، فهناك فواتير هائلة تقع على كاهلها كالضريبة البلدية ونفقات الكهرباء والمازوت ومصاريف الإيجار… هل سوف تساعد الدولة في تخفيف هذه الأعباء عن المدارس الخاصة تماما” كما تطالبوننا بتخفيف الأعباء عن كاهل الأهل؟

6. ” الوضع المادي للأهالي كارثي!”
و هل مدارسنا الخاصة هي المُسبّب بهذه الأزمة الاقتصادية؟ لما اذا تدفع هي الثمن؟
العجز المادي هو نتيجة سياسات ومافيات واحتكارات؛ أفقرت الشعب ليبقى الحكام. الدولة تسببت بالأزمة وعليها معالجتها بنفسها بدلاً من السير في جنازة ضحياها!
لتدفع الدولة من جيوب السياسيين وحساباتهم لمساعدة الأهالي. عسى أن تعود بهذه الطريقة أموال الشعب للشعب!

7- اذا أغلقت المدارس الخاصة ابوابها نهائيّا , على الدولة قبل كل شيء تجهيز المدارس الرسميّة وجعلها مكاناً يليق بطلابها شكلاً ومضموناً، ذلك أن طلاب المدارس الخاصة متطلبون وواعون بحقوقهم ولا يرضون بأقل من الحصول عليها من مدارسهم. فهل تستطيع المدارس الرسمية استيعاب هذا النزوح الطلابي؟

8- من منا يأكل أو يشرب أو ينتعل حذاء دون مقابل مادي يسدد مسبقا”؟
” شخصيّاً، أنا لا أجد من يعطيني حبّة بندورة من دون أن أعطيه مالاً! …
لمَ يرخص العلم في بلدنا ويهان؟ لمصلحة من؟

فيلسمع الجميع صرختنا, وليفهم الجميع قرارنا:
لا لاستغلال تعبنا !
لا لاستغلال شهاداتنا الجامعية المكلفة والمضنية التي كرّسنا لها بين 3 و8 سنوات من الدرس المرهق والمال الكثير!
لا لاستغلال عقولنا وتعبنا الجسدي والنفسي وتكريسه للآخرين من دون مقابل!
لا لعدم دفع مستحقاتنا!
لتعمل كارتيلات الدولة من دون مقابل!
أما نحن فنرفض ذلك!
نعم، نرفض العمل مجاناً لأننا نريد العيش بكرامتنا ومن مؤسستنا التي أفنينا عمرنا في بنائها واستثمرنا فيها من أحلامنا وقيمنا الأخلاقية ما جعلنا أهلاً لطلابها وحضناً لهم، تتعاطف معهم وتكترث لأحوالهم المادية وتصبر على استحقاق أقساطهم.
فيا صاحب الشأن الرفيع،
ليست مهمة وزارة التربية أن تحارب مدارس الوطن وتقلل من شأنها، بل واجبها أن تدعمها وتحميها. الحاصل هو أن الوزارة جعلتنا مكسر عصا: أصبحنا عرضة لهجوم من قبل كل من أراد أن يستغل المدارس ويسرقها، سواء أكان محامياً يسخّر قانونه لتبرير سرقته وتوسيع شعبيته ، أم ممن يتنطّح عبر وسائل التواصل الاجتماعي بتبرير عدم تسديد مستحقات مدارس أولاده، لأن أولاده لم يستفيدوا من كل وسائل التعليم التي اعتنقتها المدارس… وهو في الوقت نفسه لم يكلّف عناء تجربتها وخرق بهذا الأمر قراركم يا معالي الوزير.

لا خلاص لبلدنا من الويلات المتراكمة التي حلّت به وآخرها (وربما أقللها ضررا”) الكورونا، إلا بدعم العلم والتربية، فهما مفتاح ازدهار القطاعات الاخرى.
تلك الحقيقة جوهريّة وسائدة في كل أصقاع الأرض وفي بلدان تحترم حضارتها وثقافتها وتاريخها وتعرف أن كرامتها من كرامة مدارسها ومعلميها.

في بلاد العالم قاطبة، يفتحون مدارس ويقفلون سجوناً…إلا في بلدنا فالآية معكوسة… كما حال كل شىء آخر!

التربوية باتي حنا

شاهد أيضاً

بينَ مونتريالَ و بيروتَ

  بقلم الكاتبة حبيبة عبد الستار اديب     عبرتُ من مدينتِي الأنيقةِ  إلى رُبى …