اعتبر النائب جورج عقيص أن “الدولة اللبنانية لا تريد تنفيذ قانون الحق في الوصول إلى المعلومات”، مضيفا “أننا أصدرنا هذا القانون في العام 2017 وكنا نغازل الرأي العام المحلي والدولي على أبواب الانتخابات، وبتنا اليوم كسلطة، نخشى من قدرة هذا القانون على كشف أمور لا مصلحة للسلطة في الكشف عنها للرأي العام، وقد تبين لنا أن هناك 52 قانونا صادرا ونافذا، ولكنه لا يطبق من قبل الحكومة”. وقد أشار عقيص إلى أنه “يدرس خلال الأسبوع المقبل إمكانية تقديم اقتراح قانون لتعديل قانون الحق في الوصول إلى المعلومات مع مجموعة من النواب المنتمين إلى كتل نيابية مختلفة من أجل الإسراع في تنفيذه، على أن يبقى مجلس شورى الدولة هو المرجع الوحيد للبت بطلبات رفض إعطاء المعلومات”.
كلام النائب عقيص جاء خلال جلسة حوارية حول “آفاق وتحديات تطبيق قانون الحق في الوصول إلى المعلومات” جرت يوم أمس، وهي ثمرة سلسلة حلقات حوارية تنطلق تباعا في مختلف المناطق اللبنانية، نظمتها جمعية “لا فساد” ممثلة بالمدير التنفيذي جوليان كورسون، ومكتب “اليونيسكو” في بيروت ممثلا بالأستاذ جورج عواد، وبالتعاون مع جمعية “مبادرات شبابية” ممثلة بالاستاذ نضال خالد، وقد أدار الجلسة الخبير والمحاضر في الاقتصاد الدكتور خليل جبارة.
استهلت الحلقة الحوارية بالنشيد الوطني، وقد رحب رئيس جمعية “مبادرات شبابية” نضال خالد بكلمة أشار فيها إلى أن “ما يميز الدول الحضارية عن دول العهود القوية هو سيادة القانون وشموليته”، مضيفا أن “مكافحة الفساد ليست وجهة نظر، لا بل ممارسة نستطيع من خلالها محاسبة المسؤولين من خلال الإطلاع على المعلومات”.
مجذوب
وعلى الصعيد نفسه، قال عضو مجلس إدارة جمعية “لا فساد” الدكتور مصباح مجذوب إن “كلمتي الفساد ومكافحته أصبحتا الأكثر تداولا ما بين السياسيين والمواطنين والصحافيين في السنوات الخمس الأخيرة”، معلنا أن “درجة لبنان البالغة 28/100، بحسب مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة “الشفافية الدولية” لم تتغير خلال الأعوام الخمس الأخيرة، مما يعني أننا لم نسع إلى الإصلاح السياسي والاقتصادي في المؤسسات الرسمية، وإلا لكان ذلك انعكس إيجابا على المؤشر والمؤشرات العالمية الأخرى”.
وطالب الدكتور مجذوب الدولة اللبنانية ب “الإسراع في اقرار قانون مكافحة الفساد في القطاع العام وإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد المرتبطة بشكل أساسي بثلاث قوانين: قانون الحق في الوصول الى المعلومات وقانون حماية كاشفي الفساد وقانون دعم الشفافية في قطاع البترول، كما اعتبر أن “الإسراع باقرار الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد” وإصدار المراسيم التطبيقية لقانون “الحق في الوصول الى المعلومات” واعتماد الخطة الوطنية لتطبيق القانون عينه، يساهم في تسريع عجلة الإصلاح الاقتصادي وإعادة الثقة في المؤسسات العامة”.
عواد
من جهته، عرض ممثل مكتب “اليونيسكو” في بيروت جورج عواد أعمال المنظمة في مجال الحق في الوصول إلى المعلومات، بدءا من إقرارها اليوم “الدولي لتعميم الإنتفاع بالمعلومات” في 17 نوفمبر 2015 وكافة البرامج والمبادرات تحت هذه المظلة، والنفاذ الشامل من خلال العمل في مؤتمر “القمة العالمية للأمم المتحدة لمجتمع المعلومات” إلى برنامج “ذاكرة العالم” التابع لليونيسكو الذي يعنى بالتراث الوثائقي.
وعرج عواد على الهدف 16 من أهداف التنمية المستدامة الذي يشجع على كفالة وصول الجمهور إلى المعلومات وحماية الحريات الأساسية. كما تطرق عواد إلى موضوع يرتبط بالصحفيين كون الانتفاع بالمعلومات مسألة أساسية لحرية الصحافة وسلامة الصحافيين، معربا عن التزام “اليونيسكو” بتذليل العقبات التي تعيق حسن سير الصحافة الحرة والمتعددة لكي يتمكن المواطنون من الحصول على معلومات صحيحة.
جبارة
وقد بدأت الجلسة الحوارية بكلمة ميسر الجلسة الدكتور في الاقتصاد خليل جبارة قال فيها إن “هناك سابقة قانونية في اطار قانون الحق في الوصول إلى المعلومات، صادرة عن قاضي الأمور المستعجلة السابق جاد معلوف في العام 2014 قبل إقرار القانون، اقتضت بتسليم نتائج التحقيقات والمحاضر إلى أهالي اللبنانيين المفقودين والمخفيين قسرا في الحرب الأهلية اللبنانية، بناء على قانون الحق في الوصول إلى المعلومات، وقد اعتمد القاضي معلوف على توقيع لبنان على الإعلان العالمي لحقوق الانسان لاصدار هذا القرار”.
عقيص
ثم كانت كلمة للنائب عقيص قال فيها: “إن الدولة اللبنانية لا تريد تطبيق قانون “الحق في الوصول إلى المعلومات”، معللا ذلك بأن “الدولة بدأت تخشى مما صنعته أيديها”، مضيفا:” اننا أصدرنا هذا القانون في العام 2017، وكنا نغازل الرأي العام المحلي والدولي على أبواب الانتخابات، وبتنا اليوم كسلطة، نخشى من قدرة هذا القانون على كشف أمور لا مصلحة للسلطة في الكشف عنها للرأي العام، فهذه العراقيل هي إما لعرقلة تطبيق هذا القانون، أو لجعل الناس تنسى تطبيقه”.
وأوضح أن “صدور القانون جاء خلال فترة “فوران التشريعات الإصلاحية ولكن لم نتأخر في نعي هذا المسار القانوني نظرا للعراقيل التي وضعت في مسار الإصلاح الاقتصادي”، مشيرا إلى أن “لبنان كان يحتاج في تلك الفترة إلى استجرار أموال المساعدات في الخارج من خلال وضع هذه المنظومة الإصلاحية، إلا أن البعض في هذه السلطة قد ظن لوهلة أن لبنان يمكنه خداع المجتمع الدولي بإصدار التشريعات الإصلاحية دون أن ينفذها، بحيث تبين لنا أن هناك 52 قانونا صادرا ونافذا ولكنه لا يطبق من قبل الحكومة”، الأمر الذي “دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى تشكيل لجنة خاصة خارج اللجان البرلمانية السبع عشرة المنصوص عنها أسماها اللجنة النيابية لمتابعة تنفيذ القوانين”، مشيرا إلى أن “أحد أبرز مظاهر الفشل لدى أي دولة هو عدم تطبيق القوانين الصادرة”.
ورأى عقيص أن “القاعدة الأولى في بناء منظومة الرقابة والمحاسبة يتجلى في المعرفة، وأن تطبيق القانون بشكل صحيح سيحمي جميع المواطنين، وذلك يساعد على زيادة الرقابة الذاتية في حال نشرت الإدارات العامة جميع العقود والتقارير على موقع الكتروني موحد”.
وقال: “اللبنانيون يتحدثون عن أهمية قوانين حرية التعبير، ولكن ما نخشاه هو التفلت بالتعبير ومن خطاب الكراهية المسيطر على عقولنا ومنابرنا”، معلنا أن “الدولة اللبنانية تحجب المعلومات بحجة الخوف من التعسف في استعمال المعلومات”. وقد أشار عقيص إلى أن “المنظومة الإصلاحية في لبنان هي بحالة مفصلية في الأشهر المقبلة، لجهة مصير تنفيذ القانون، وإقرار انشاء “الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد”، بالإضافة إلى تخصيص اعتمادات مالية لهيئتي حقوق الانسان والمخفيين قسرا لتشغيلها”.
وتحدث عقيص عن عدد من التوصيات التي يجب على الحكومة تنفيذها:
أولا: مطالبة الحكومة بإعادة إعلان نيتها الرسمية بتطبيق هذا القانون من أجل طمأنة المواطنين والمجتمع الدولي.
ثانيا: إنشاء موقع إلكتروني موحد يلزم جميع الإدارات والمؤسسات والبلديات أن تنشر من خلاله المعلومات، على أن تتم مراقبة محتوى الموقع كي نضمن سلامة المعلومات المنشورة.
ثالثا: تعيين موظفي معلومات متخصصين وتدريبهم على إقامة تواصل فعال مع طالبي المعلومات.
رابعا: إصدار قانون “مكافحة الفساد في القطاع العام” و “إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد”.
الخوري
على صعيد آخر، أشارت مديرة كلية الحقوق والعلوم السياسية-الفرع الرابع الدكتورة جنان فايز الخوري إلى أن “الفساد السياسي يتحرك من خلال الفساد الإخلاقي، لأننا نحن لا نتلقى أو نقدم الرشاوى إلا من خلال الأشخاص الفاسدين أخلاقيا”.
وأضافت: “ان الرأي العام في لبنان لا يساعد على حل القصص المرتبطة بالفساد، بحيث أصبح الفساد ثقافة عامة، بحيث يعتبر البعض أن الفساد شطارة والرشوة والتهرب الضريبي وتزوير الملفات مهارة”، موضحة أن “إقرار قانون الإثراء غير المشروع يغنينا عن العديد من القوانين”، بحيث أن حصول المواطن على المعلومات، يخولنا تطبيق مبدأ المحاسبة”.
كورسون
من جهته، طالب المدير التنفيذي لجمعية “لا فساد” جوليان كورسون الحكومة اللبنانية بإصدار “المراسيم التطبيقية لقانون الحق في الوصول إلى المعلومات بشكل يتناسب مع الروحية الدستورية”، مؤكدا أن “القانون نافذ بعض النظر عن المراسيم التطبيقية”، مضيفا أن “هناك تحضيرا لتطبيق الخطة الوطنية لقانون الحق في الوصول إلى المعلومات، ونحن نطالب الدولة باعتماد هذه الخطة لتنفيذ القانون”.
وأشار كورسون إلى أن “رد قانون الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد من قبل رئيس الجمهورية إلى مجلس النواب، وتعليل الرد بإحدى عشر نقطة، يبقى أهمها التركيز على بند تعيين الأعضاء، بحيث يجب أن يكون هناك عضوان من قدامى القضاة والذين يتمتعون بخبرة متقدمة وسيرة حسنة، وفي القانون الحالي، يؤكد البند على انتخاب القضاة، بينما يجري نقاش آخر حول تعيين القضاة، ونحن كمؤسسة مع الانتخاب، لأن القضاء مدماك أساسي في عملية مكافحة الفساد، وبالتالي يجب علينا تعزيز الاستقلالية عن السلطة السياسية”.
وختم كورسون: ” “هناك أزمة ثقة ما بين الدولة والمواطن، وسعي البلديات إلى تطبيق القانون يعيد بناء الثقة مع المواطن، وخصوصا إذا اجتهدت البلديات في نشر المعلومات على موقعها الالكتروني، والتزمت بتعيين موظف معلومات يلبي طلبات المواطنين بالحصول على المعلومات، الأمر الذي يساعد على جذب الاستثمارات من المجتمع الدولي”.
وفي نهاية الجلسة الحوارية، جرى نقاش ما بين المحاورين والحضور، شددوا فيه على أهمية الحصول على المعلومات كي يتمكن المواطن من مساءلة السلطات بدءا من البلديات وصولا إلى أعلى المؤسسات الرسمية في لبنان.