ودع لبنان الرسمي والشعبي، اليوم، البطريرك مار نصرالله بطرس صفير، بمراسم شارك فيها أركان الدولة اللبنانية وممثلون لعدد من الدول العربية والأجنبية، بالتزامن مع قرع أجراس الكنائس ورفع لافتات وداعية للراحل في عدد كبير من المناطق.
باكرا بدأ تقاطر المواطنين والحشود الحزبية إلى الصرح البطريركي في بكركي حيث سجي جثمان صفير الذي نقل بعيد الرابعة والنصف عصرا من الكنيسة إلى الساحة الخارجية للصرح، ووضع على المذبح.
الصلاة
وعند الساعة الخامسة عصرا، ترأس البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي مراسم صلاة دفن صفير، في الباحة الخارجية في بكركي، يحيط به بطريرك الروم الكاثوليك يوسف الأول عبسي، بطريرك السريان الكاثوليك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، بطريرك الأرمن الأرثوذكس آرام الأول كيشيشيان، بطريرك الروم الأرثوذكس يوحنا العاشر يازجي، البطريرك غريغوريوس الثالث لحام، ممثل البابا فرنسيس رئيس مجمع الكنائس الشرقية الكاردينال ليوناردو ساندري، السفير البابوي جوزف سبيتري وعدد كبير من المطارنة والرؤساء العامين والرهبان والراهبات ومثلي الكنائس المختلفة.
وحضر رتبة جناز الأحبار، رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وزير أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان ممثلا الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، السفير السعودي وليد البخاري ممثلا الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، الوزير محمد بن عبد العزيز الكواري ممثلا امير قطر تميم بن حمد، القائمة بأعمال سفارة الأردن وفاء الأيتم ممثلة ملك الأردن عبدالله الثاني، السفير الفلسطيني أشرف دبور ممثلا الرئيس الفلسطيني محمود عباس وكريستينا رافتي ممثلة رئيس قبرص نيكوس أناستاسيادس.
كما حضر رئيس مجلس النواب نبيه بري، رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، الرئيس أمين الجميل وعقيلته جويس، الرئيس ميشال سليمان وعقيلته وفاء، الرئيس حسين الحسيني، الرئيس فؤاد السنيورة، نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي، نائب رئيس الحكومة غسان حاصباني. الوزراء: علي حسن خليل، اكرم شهيب، وائل ابو فاعور، منصور بطيش، محمد شقير، ريا الحسن، جبران باسيل، الياس ابو صعب، ريشار قويمجيان، مي شدياق، كميل ابو سليمان، اواديس كيدانيان، ألبير سرحان، محمد شقير، فادي جريصاتي، ندى البستاني وفيوليت الصفدي، المبعوث الأميركي الخاص ديفيد هيل، السفيرة الأميركية اليزابيت ريتشار، السفير البريطاني كرس رامبلنغ، سفير روسيا الكسندر زاسبكين، سفيرة الإتحاد الأوروبي كريستينا لاسن وعدد من السفراء وحشد من النواب الحاليين والسابقين ، ورؤساء الاحزاب وكبار الموظفين المدنيين والعسكريين واركان السلطة القضائية .
عظة البطريرك الراعي
وألقى الراعي عظة بعنوان “أنا الراعي الصالح. أعرف خرافي، وهي تعرف صوتي”، جاء فيها:
“فخامة رئيس الجمهورية، دولة رئيس مجلس النواب، دولة رئيس مجلس الوزراء، نيافة الكردينال Sandri Leonardo الموفد الشخصي لقداسة البابا فرنسيس، أصحاب القداسة والغبطة البطاركة ونيافة الكردينال السفير البابوي في دمشق، أصحاب المعالي الوزراء، ممثلي كل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وسمو أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وجلالة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وسعادة ممثلة جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين عاهل المملكة الأردنية الهاشمية، وسعادة ممثلة رئيس جمهورية قبرس Nicos Anastasiades، وسعادة ممثل رئيس دولة فلسطين محمود عباس، إن حضوركم يعزينا، وأنتم محاطون بهذا اللفيف من المطارنة والوزراء والنواب وسفراء الدول، والرؤساء العامين والعامات، ورؤساء الأحزاب، ومن ممثلين عن مرجعيات دينية وسياسية ومدنية، وهذا العدد الغفير من المؤمنين والمؤمنات. لقد أتينا كلنا لوداع البطريرك الكبير، عميد الكنيسة المارونية، وعماد الوطن، المثلث الرحمة البطريرك الكردينال مار نصرالله بطرس صفير، أيقونة هذا الكرسي البطريركي. ومعنا كل الذين يشاركوننا الأسى وصلاة الرجاء عبر وسائل الإعلام في لبنان وسائر البلدان شرقا وغربا، وأولئك الذين أموا هذا الصرح البطريركي منذ صباح الأحد من رؤساء كنائس وطوائف، وشخصيات مسيحية وإسلامية وحزبية، وكهنة ورهبان وراهبات، وطلاب مدارس وجامعات مع هيئاتها الإدارية والتعليمية، وأخويات ومنظمات رسولية.
في مثل يوم أمس من بداية مئة سنة، 15 أيار 1920، وهو عيد سيدة الزروع، زرع الله في كنيسة الأرض المجاهدة، في تربة ريفون العزيزة، نصرالله إبن مارون صفير وحنه فهد من غوسطا، وحيدا على خمس شقيقات سبقه منهن ثلاث إلى بيت الآب. فكان مثل حبة الخردل في الإنجيل (لو13: 18-21) التي نمت ونضجت حتى أصبحت شجرة كبيرة أعطت ثمارا وفيرة في كل مراحل حياته: الكهنوتية والأسقفية والبطريركية والكردينالية. فكان راعيا صالحا على مثال المسيح “راعي الرعاة العظيم” (1بط4:5). وبخبرة السنوات الثلاث والستين التي قضاها في هذا الكرسي البطريركي، من دون انقطاع، “كان يعرف خرافه، وهي تعرف صوته” (يو10: 11و27). واليوم، يزرعه الله شفيعا للكنيسة وللبنان في كنيسة السماء الممجدة لأبدية لا تنقضي.
عرف كيف يبني حياته على الأساس الثابت وهو الإيمان المسيحي الثابت، والصلاة، وكلام الله، والتجرد والتواضع. فعلا بنيانه، ولمع في الكهنوت، فعينه المثلث الرحمة البطريرك الكردينال مار بولس بطرس المعوشي أمين سره في سنة 1956، في أول عهده. وواصل في آن تدريس الأدب العربي وتاريخ الفلسفة العربية والترجمة في مدرسة الإخوة المريميين في جونيه، قبل انتقالها إلى الشانفيل. ويوجد من بين الحاضرين معنا اليوم كثيرون من الذين تتلمذوا على يده ويشهدون لنبله الكهنوتي ومقدرته العلمية ونباهته.
بفضل هذه الخصال رأى فيه البطريرك المعوشي وجه الأسقف، فقدمه للسينودس المقدس في دورة 1961 فانتخبه مطرانا نائبا بطريركيا عاما، وهو في سنيه الإحدى والأربعين. لقد تعلم من هذا البطريرك الكبير، إبن جزين، صلابة البطاركة في الحفاظ على الأغليين: الإيمان المسيحي بكل قيمه الأخلاقية والحضارية، ولبنان السيد الحر المستقل، والشجاعة في قول كلمة الحق من دون مسايرة. تعرف إلى الناس، كبيرهم وصغيرهم، وإلى السياسيين بألوانهم وتبدلاتهم وفقا لمصالحهم الآنية، الأمر الذي ولد عنده الكثير من الفطنة في التعاطي حتى الحذر.
تولى إدارة الأبرشية البطريركية بكل نياباتها: جبيل والبترون وجبة بشري وإهدن- زغرتا ودير الأحمر. فكان الراعي الساهر المتفاني الذي لم يجد مجالا للراحة. وقام في الوقت عينه بأعمال الدائرة البطريركية بصمت وتجرد وحسبه أن يعطي من دون أن يطلب لنفسه أي شيء، كما درج في كل حياته. مع كل ذلك، كان يجد متسعا من الوقت للكتابة. فألف ثلاثة كتب، وترجم كتبا روحية، وثلاثا من وثائق المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، وعشر رسائل عامة وإرشادات رسولية للبابا يوحنا بولس الثاني.
ثم كان الساعد الأيمن للمثلث الرحمة البطريرك الكردينال مار أنطونيوس بطرس خريش، كنائب بطريركي عام مع زميل منتخب ودعناه الأسبوع الماضي بكثير من الألم والأسى هو المثلث الرحمة المطران رولان أبو جوده. فقاد الثلاثة عملية احتضان المهجرين وسائر ضحايا الحرب اللبنانية المشؤومة التي اندلعت في 13 نيسان 1975، بعد شهرين من تنصيب البطريرك. وقادوا المقاومة الروحية والاجتماعية والسياسية والديبلوماسية داخليا وفاتيكانيا ودوليا، بوجه الحرب الأهلية ومخططات الهدم، والقضاء على المؤسسات الدستورية والإدارية العامة، ومشاريع التقسيم. وأسسوا مع بطاركة الكنائس رابطة كاريتاس- لبنان، كجهاز الكنيسة الراعوي الإجتماعي.
وعندما انتخب بطريركا في نيسان 1986، وهو ما لم يطلب البطريركية ولا سعى إليها بل أعطيت له مع مجد لبنان، كان على أتم الإستعداد لحمل صليبها، بفضل ما اكتنزت شخصيته من روح رئاسي وراعوي وقيادي. لقد بنى خدمته البطريركية على أساس الصليب المتين. وكان مدركا أن عليه حمله ككل أسلافه البطاركة ليجعلوا من هذا الجبل اللبناني معقل إيمان، وكلمة حرية، وحصن كرامة، وقدس أقداس حقوق الإنسان. وراح للحال يعمل على إسقاط الحواجز النفسية ثم المادية، وشد أواصر الوحدة الوطنية وأجزاء الوطن، وإعادة بناء الدولة بالقضاء على سلطان الدويلات، وتعزيز العيش المشترك الذي كان يعتبره جوهر لبنان ورسالته الحضارية. ذلك أن لبنان هو البلد الوحيد في المنطقة الذي يتساوى فيه المسلم والمسيحي على قاعدة الميثاق الوطني والدستور.
وتأتي اليوم الشهادات عن هذا البطريرك الكبير من كل فم وعبر جميع وسائل الإعلام. فالكل يجمع على أنه “خسارة وطنية”. ورأوا فيه بطريرك الإستقلال الثاني، والبطريرك الذي من حديد وقد من صخر، وبطريرك المصالحة الوطنية، والبطريرك الذي لا يتكرر، المناضل والمقاوم من دون سلاح وسيف وصاروخ، وصمام الأمان لبقاء الوطن، وضمانة لاستمرار الشعب. وأنه رجل الإصغاء، يتكلم قليلا ويتأمل كثيرا، ثم يحزم الأمر ويحسم الموقف. وكجبل لا تهزه ريح، أمديحا كانت أم تجريحا أم رفضا أم انتقادا لاذعا. فكان في كل ذلك يزداد صلابة، على شبه شجرة الأرز التي تنمو وتقوى وتتصلب بمقدار ما تعصف الرياح بها وتتراكم الثلوج على أغصانها. أما الشهادة الناطقة الكبرى فهي الوفود من جميع المناطق اللبنانية ومن الخارج التي ما فتئت تتقاطر للتعزية والصلاة منذ صباح الأحد، والحشود التي لا تحصى، وقد وقفت لوداعه على الطرقات في خط متصل من مستشفى أوتيل ديو إلى بكركي. هذا الحزن العارم الذي عاشه اللبنانيون، ترجمته الحكومة اللبنانية مشكورة بإعلان يوم أمس يوم حداد وطني تنكس فيه الأعلام، واليوم يوم إقفال عام للمشاركة في وداع هذا الراعي المثالي.
لقد شاركته معاناته في السنوات الأربع الأول من بطريركيته كنائب بطريركي عام مع المثلث الرحمة المطران رولان أبو جوده. وقد لاقى فيها، على التوالي ومنذ البداية، مرارة الرفض والتهميش والإساءة والإعتداء الجسدي والمعنوي، بالإضافة إلى ويلات الحرب والضياع. فكان لنا قدوة في صبره وصمته وصلاته وغفرانه وقوله: “لن أكون الحلقة التي تنكسر”. وهو المؤمن أن الصليب يؤدي حتما إلى القيامة. وهكذا كان، وإذا بالوطن ينجو، وبالجميع يعودون للإلتفاف من حوله وسماع صوت هذا الراعي. فانطبقت عليه الآية الإنجيلية: “سينظرون إلى الذي طعنوه” (يو27:19). وفهمنا أكثر فأكثر كلمة بولس الرسول: “لو لم يقم المسيح، لكان إيماننا باطلا، وتبشيرنا باطلا، ولكنا أمواتا في خطايانا” (1كور17:15). بهذا الإيمان الصامد على صخرة الرجاء، راح يملأ الفراغ السياسي، مجاهدا من أجل تحرير أرض لبنان من كل احتلال ووجود عسكري غريب، وشعاره مثلث: “حرية وسيادة واستقلال”، وهو صدى لصوت أسلافه البطاركة العظام، بدءا من خادم الله البطريرك الياس الحويك أبي لبنان الكبير، والبطريرك أنطوان عريضه صانع الإستقلال وضامن الميثاق الوطني.
وشاء بطريركنا الراحل لقاء قرنة شهوان إطارا جامعا للقوى المسيحية المؤمنة بسيادة الوطن، وصدى لصوته في المحيط السياسي. بهذا الهدف كان على تنسيق دائم مع القديس البابا يوحنا بولس الثاني الذي تبنى قضية لبنان بنداءاته ورسائله وديبلوماسية الكرسي الرسولي، وعقد جمعية خاصة لسينودس الأساقفة الروماني” من أجل لبنان سنة 1995، وأصدر إرشاده الرسولي موقعا في بيروت بتاريخ 12 أيار 1997، وهو بعنوان: “رجاء جديد للبنان”؛ وجالس رؤساء الدول الكبرى من مثل الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وروسيا والأمين العام للأمم المتحدة، فضلا عن لقاءاته مع بعض أمراء دول الخليج ورؤساء دول آخرين.
مع كل ذلك ظل شغله الشاغل شأن كنيسته المارونية والكنائس في لبنان وبلدان الشرق الأوسط. ففي الكنيسة المارونية، أنشأ أبرشيات جديدة، وأعاد ترسيم حدود بعضها، وسام أربعة وأربعين مطرانا. وقاد الإصلاح الليتورجي بتعيين اللجنة البطريركية للشؤون الطقسية، وحل قضية الشراكة في الديمان ووادي قنوبين وبلوزا وسرعل. وأنشأ المؤسسة الاجتماعية المارونية، والصندوق التعاضدي الاجتماعي الصحي، والمركز الماروني للتوثيق والأبحاث، والمؤسسة المارونية للانتشار، وصندوق ضمان المطارنة المتقاعدين، ومؤسسة البطريرك صفير الاجتماعية في ريفون. وأضاف إلى كرسي بكركي أجنحة جديدة، وكنيسة القيامة الفنية في الباحة الخارجية، واستحدث متحفها، وأعاد إحياء الحياة الرهبانية في كرسي قنوبين. وشيد المجمع الاداري والقضائي والكنسي في زوق مصبح، وأجنحة جديدة في المدرسة الإكليريكية في غزير، وخص بعنايته المؤسسات والأوقاف العائدة إدارتها إلى البطريركية. وفي الخارج، أعاد فتح المعهد الحبري الماروني في روما، ورمم وحسن الوكالات البطريركية في روما وباريس ومرسيليا والقدس.
وافتقد أبناء كنيسته المنتشرين، فقام بثماني عشرة زيارة راعوية، وخص فرنسا بأربع منها، أما الكرسي الرسولي فكان يزوره أكثر من مرة في السنة لأعمال تختص بالبطريركية، ولتعاونه مع قداسة البابا في خدمته البطرسية ككردينال منذ سنة 1994، من خلال عضويته في أكثر من مجمع ومجلس حبري. وفي عهده أعلنت قداسة وتطويب قديسي كنيستنا المارونية الخمسة.
أما على صعيد الكنائس في لبنان والشرق الأوسط، ففعل أعمال مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، وخص أمانته العامة ولجانه بمبنى خاص في المجمع البطريكي. وأسس مع البطاركة مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك وشارك في مؤتمراته السنوية.
لا نستطيع أن نغفل التعاون الأخوي الوطيد بينه وبين المثلث الرحمة المطران رولان أبو جوده، على مدى أربع وأربعين سنة، ملؤها التفاني في تحمل المسؤولية، والخدمة، وحمل صليب مآسي لبنان والشعب اللبناني وانقسام السياسيين، وصليب الفقر والتهجير والهجرة. وكأن المسيح الإله، الذي أشركهما في صليبه، شاء أن يشركهما معا في مجده السماوي، فدعاهما إليه في غضون أسبوع. فتذكرت رثاء داود الملك لابنيه بعبارة تنطبق عليهما، إذ قال: “كيف تصرعت الجبابرة!” (2صمو19:1)، وكلمة جبران خليل جبران: “ولدتما معا، وستظلان معا إلى الأبد، عندما تبدد أيامكما أجنحة الموت البيضاء” (النبي).
إن أبانا البطريرك الكردينال مار نصرلله بطرس، إذ يغيب عنا بالجسد، فهو يبقى مرافقا لنا بتشفعه من قرب العرش الإلهي، ونحن نظل نسمع صوته في أعماله الكاملة المنشورة من عظات وبيانات ورسائل ومذكرات. إن “الوزنات الخمس” التي منحه إياها مجانا الله الغني بالرحمة: وزنات الكهنوت والأسقفية والبطريركية والكردينالية، قد ثمرها بإخلاص، وهو يعيدها اليوم إلى سيده مضاعفة، فيستحق أن يستقبله بحنان رحمته: “هلم أيها الخادم الأمين! كنت أمينا في القليل فأقيمك على الكثير. أدخل فرح سيدك” (متى 23:25). فله كل مجد وتسبيح وشكر الآن وإلى الأبد، آمين. المسيح قام حقا قام”.
كلمة البابا
ثم تلا المطران حنا علوان كلمة البابا فرنسيس باللغة العربية، والتي استهلها بالقول: “إلى صاحب الغبطة والنيافة الكردينال بشارة بطرس الراعي بطريرك أنطاكية للموارنة، لقد تلقيت، بأسف شديد، خبر وفاة غبطة البطريرك الكردينال مار نصر الله بطرس صفير، البطريرك السابق لأنطاكية للموارنة، عن عمر تسعة وتسعين سنة”.
أضاف: “أتقدم بأحر التعازي منكم، كما ومن العائلة، وكل أبناء الكنيسة البطريركية الإنطاكية المارونية، التي رعاها هو، لسنين عديدة بكل وداعة كما وبكل حزم. رجل حر شجاع، الكاردينال صفير، قام برسالته في ظروف مضطربة، وكان عنصرا مؤثرا في جمع الصفوف وإرساء السلام والمصالحة، مدافعا غيورا عن سيادة واستقلال بلده، وسيبقى وجها لامعا في تاريخ لبنان”.
وتابع: “أسأل أبا كل المراحم، أن يستقبل في دياره مساكن السلام والنور، هذا الراعي الحكيم والملتزم، الذي عرف أن يظهر حب الله للشعب، الذي أوكل إلى عنايته”.
وختم “وتعبيرا عن تعازينا، أمنحكم يا صاحب الغبطة، البركة الرسولية، ولكل عائلة الكاردينال الراحل وأقاربه، ولكل الأشخاص الذين رافقوه في سنيه الأخيرة، ولكل الذين يشتركون في مراسيم هذه الجنازة. فرنسيس راعي الرعاة”.
وسام رئاسي
بعد ذلك أعلن مديرعام المراسم في رئاسة الجمهورية الدكتور نبيل شديد: “ايها الحضور الكرام، اليوم، حيث يودع لبنان والكنيسة المارونية المثلث الرحمة غبطة البطريرك الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير، صخرة قيامة وأرزة خلود وزيتونة سلام للبنان، وطن الله، على ما يذكر الكتاب المقدس،
وتقديرا لما قدمه للبنان وأبنائه من مختلف الطوائف، وقد كان المدافع عن حقهم جميعا بالحياة الحرة، السيدة والمستقلة، وفعل ايمان حي للكنيسة ومؤمنيها،
قرر فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون منح الراحل الكبير، الوشاح الأكبر من وسام الاستحقاق اللبناني”.
بعد ذلك قدم الرئيس عون والرئيسين بري والحريري التعازي للبطريرك الراعي ، فيما نقل جثمان البطريرك صفير الى مثواه الاخير في مدافن البطاركة في بكركي .