الوزيرة ريّا الحسن لمجلة “الأمن” ابتعادي عن عالم الأمن سابقاً قد يكون عاملاً إيجابياً لي في مهمتي الجديدة

السيدة ريّا حفّار الحسن أول وزيرة للداخليّة والبلديات في لبنان والعالم العربيّ خصّت مجلة “الأمن” ، بأول حوار صحافي معها منذ تعيينها وزيرة في حكومة “إلى العمل” برئاسة الشيخ سعد الحريري أجراه رئيس تحرير المجلة العقيد الركن شربل فرام. وتحدّثت، مَن هي حديث الناس وآمالهم منذ صدور مرسوم تشكيل الحكومة، بكل صراحة وواقعيّة، وجاء فيه كما نشرته مجلة”الأمن” في عددها الصادر صباح اليوم:

“أحب أن تتحدث عني أعمالي أكثر من أن أتحدث أنا عن نفسي”.

بهذه الكلمات أرادت الوزيرة الرصينة ريّا الحسن أن تتهرب من إجراء مقابلة صحافـيّة، لأنها بعدما تسلَّمت وزارة الداخلية من فترة قصيرة جداً انكبت فوراً على دراسة الملفات الكثيرة والثقيلة فعلاً لوزارة تعتبر من الحقائب الكبرى فـي أيّة تشكيلة حكوميّة، وزارة تحدٍ حقيقي لمن يتسلمها لتعدّد الأجهزة والمديريات المرتبطة بها، باعتبارها وزارة تنفـيذ القانون وخدمة المواطن.

كل من يعرف ريا الحسن، التي كانت أول امرأة تتسلم وزارة المال فـي لبنان، وأصبحت الآن أول امرأة تتسلم الداخلية لبنانياً وعربياً، يعرف جيداً أنها ليست من هواة الظهور والصور، ولكن عندما يتحتم عليها ذلك بحكم ظروف ومسؤوليات فإنها تقدم على ذلك بعد تحضير ملفها ودراسته بكل جدية وبكل تفصيل.

بالفعل كان اختيار الرئيس سعد الحريري لها لتولي هذه الحقيبة مفاجأة كبرى لكل اللبنانيين، ولكل المهتمين بالشأن اللبناني، بقدر ما كان رهاناً على اثبات قدرة المرأة اللبنانية على تولي أعلى المناصب فـي الحكومة والدولة.

«بكير عالحكي هلق» كررتها الوزيرة مراراً، كأنها تطلب مزيداً من الوقت لتعمل وتعمل فتتحدث أعمالها عنها، وهي الخبيرة فـي تفاصيل عالم الإقتصاد والمال، والمعروفة بقدرتها العالية على تحمل كل المسؤوليات مهما كانت الظروف صعبة، تعرف جيداً أيضاً أن الكلام مسؤوليّة لكل من يشغل منصباً عاماً.

نحن مجلة قوى الأمن الداخلي. هذا كان فعلاً سرّ قبول الوزيرة بإجراء لقاء أوليّ سريع معنا بشرط أن الكلام الذي قالته فـي حفل التسليم والتسلّم سيكون السقف الممكن التحدّث تحته باعتباره «خارطة طريق» لمشروعها فـي وزارة الداخلية:

 

0 لا بد من أنها نقلة نوعية، لا بل استثنائية من عالم المال إلى عالم الأمن، فما هو المعيار الذي ترينه مناسباً للبدء كوزيرة للداخية؟

– ابتعادي عن عالم الأمن سابقاً قد يكون عاملاً إيجابياً لي في مهمتي الجديدة، إذ دفعني ذلك إلى وضع خطة عمل أولية انطلاقاً من هواجسي كمواطنة قبل أن أكون مسؤولة، وهذه هواجس كل مواطن لبناني.

0 ما الذي يمكن أن تعدي به المواطن الآن؟

– بإمكاني إطلاق وعود كثيرة، لكن الوعود تبقى كلاماً الآن، الأفضل أن نتحدث عن أولويات أراها أساسية لنجاحي في مهمتي الجديدة.

0 إذًا، فلنتحدّث عن أولوياتك النابعة من هواجسك بالتأكيد.

ــ بالنسبة إليّ، الأمن الاجتماعي هو الضامن للاستقرار المجتمعي، وبالتالي فإن الأمن بالمفهوم الشائع مهم بقدر الأمن البيئي والأمن الأسري وأمن المجتمع المدني.

ثم إنني، كما يعرف الجميع، من تيار سياسي يؤمن بأن الحكم استمرارية، ما يحتم عليَّ أن أنطلق من الملفات التي بدأ بها سلفي الوزير الصديق نهاد المشنوق الذي ترك بصمته على الوزارة، وسأسعى لأن يكون لي فيها بصمة خاصة، أيضًا.

وهنا ثمة وعد حقيقي، بأن أبقى كوزيرة للداخلية خارج نظام الخدمات الزبائنية التي تعوَّد عليها كثيرون في البلد، والتشدد في تطبيق القوانين لا سيما في ما يتعلق بمسألة المرامل والكسارات. وسأحرص على خدمة من هو بحاجة إليها فعلاً من ضمن إطار القانون وبعيداً تماماً عن المحسوبيات السياسية.

وسيكون هدفي تحسين علاقة المواطن مع وزارة الداخلية، وذلك عبر تبسيط ومكننة المعاملات اليومية من ضمن استراتيجية الدولة لتطبيق الحكومة الإلكترونية. وربما بهذه الطريقة نخفف من معاناة المواطن بكل أنواعها.

0 كوزيرة للداخلية أنت معنية مباشرة بالأمن

اليومي للمواطن، فما هو التصور الأوّلي لديك في هذا المجال؟

ــ كان هناك جهد كبير في السنوات الأخيرة لتحسين الوضع وتثبيت الإستقرار، وترتبط بالوزارة مديريتا الأمن الداخلي والأمن العام ويتسلمهما مديران عامان معروفان بكفاءتهما ومناقبيتهما.

ولا شك في أن العمليات الإستباقية التي حصلت وما زالت تحصل دفعت إلى أن يصل الوضع الأمني إلى مرحلة مهمة من الاستقرار. ومن أجل ضمان استمرار هذا الاستقرار، سأعمل على تعزيز التعاون بينهما من ضمن خطة سوف أعدها وأطرحها قريباً من أجل ضمان استمرارية التنسيق بين القوى العسكرية والأمنية كافة، وسنعمل على تطوير آلياته كعامل أساسي للاستقرار الأمني في البلد.

0 هل سيكون الأمن أولاً وقبل أي شيء؟

ــ بالنسبة إليّ الأمن لا يتعارض مع احترام حقوق الإنسان وحرية التعبير، فهذه الحرية هي فوق كل

اعتبار.

0 في خطة عملك المنطلقة من هواجسك كمواطنة أولاً كيف تنظرين إلى أزمة زحمة السير اليومية؟

ــ من الضرورة الملحة التشدد في تطبيق القانون لجهة قمع المخالفات وتخفيف حوادث السير المميتة التي تخطف كل يوم واحداً من أولادنا وشبابنا.

وعلينا البدء بتطبيق إجراءات، ولو بسيطة، من أجل تسهيل حركة المرور وتخفيف زحمة السير التي، بالإضافة إلى تكلفتها الاقتصادية الكبيرة جداً، فهي تستنزف أعصاب اللبنانيين كل يوم.

ومن هذه الإجراءات، إزالة العوائق والجدران الإسمنتية وغيرها من الحواجز، وهنا أريد أن أقول لكم إنني سأكمل ما بدأناه من وزارة الداخلية.

ولأن شرطة السير هي شرط أساسي من هذه المنظومة، لذا سأبذل جهدي لتنشيط دورها وتنشيط عمل السلامة المرورية. ثم إن شرطة السير تعكس صورة هيبة الدولة، إذ يراها المواطن كل يوم ويفترض ان تظهر له الصورة الفضلى عنها.

0 ما هو الملف الأصعب في تقديرك الآن؟

– لا شك في أنه ملف السجون، إذ إنه ليس مسألة إنسانية فقط بل يعكس صورة لبنان في الخارج ومدى احترامنا لحقوق الإنسان. ننسى أحياناً أن الهدف الأساسي من السجن هو إعادة تأهيل السجين ليصبح عضواً

فاعلاً في مجتمعه. اليوم هناك بعض السجون لا تملك أدنى المقومات لتوفير حياة كريمة للسجين، ولهذا سنسعى لإيجاد مصادر تمويل لإنشاء سجون جديدة ونموذجية لتغيير واقع السجون ومع إجراء الإصلاحات المطلوبة حتى نصون حقوق السجناء وكرامتهم وسلامتهم.

0 ماذا عن البلديات؟

– بفعل تجربتي في التنمية خصوصاً في الملف الذي كنت مسؤولة عنه في طرابلس، أدرك تماماً أهمية التعاون مع البلديات وتفعيل مهامها التخطيطية لكي تستفيد من مشاريع جهات مانحة، وذلك من أجل تمكينها ومساعدتها ودعمها لإيجاد حلول للمشاكل التي يواجهها المواطن يومياً كتأمين مواقف للسيارات، وحل مشكلة النفايات، وتفعيل شرطة البلدية. وبالتوازي، من المهم التعاون مع وزارة المالية من أجل تأمين الأموال اللازمة لتحسين الخدمات على المستوى المحلي.

0 ماذا عن الأمن البيئي؟

– الوضع البيئي لم يعد يحتمل. فعلاً وصلنا إلى درجة سيئة ومتدهورة كثيراً وهي تؤثر سلباً على صحتنا وصحة أولادنا. وسأسعى، بالتعاون مع وزارات البيئة والطاقة والمياه والعدل للتشدد بتنفيذ كل القرارات لوقف أي نوع من أنواع التلوث أو التعدي على الموارد الطبيعية.

0 ثمة عناوين وملفات كثيرة يمكن الحديث فيها مع أي وزير للداخلية، لكن ما الذي يشغلك أيضاً غير العناوين المعتادة؟

– في عناويني البارزة المجتمع المدني وكيفية تكثيف العلاقة وزيادة التنسيق معه، لأن التعاون مع المجتمع المدني جزء أساسي من رؤيتي لعمل ووظيفة الداخلية.

وهناك أيضاً عناصر الدفاع المدني الذين سأعمل كل جهدي لكي يتمكنوا من إسعاف ومساعدة الناس الذين هم بحاجة إليهم بأفضل الطرق الممكنة، وهذا الشيء لا يتحقق إذا كانوا غير مرتاحين.

وسأتشدد بمعاقبة الجرائم وملاحقتها لا سيما التي تتعلق بالتعنيف الأسري. وهنا أطلب من كل امرأة معنفة أن تتذكر أنه يجب على كل مخفر في كل قرية حمايتها. ومن جهتي، سأتشدد مع قوى الأمن في هذا الموضوع.

كما سأتشدد إلى أقصى حد في مسألة إطلاق النار والسلاح المتفلت. هذا موضوع بحاجة إلى تعاون كبير من مجلس الوزراء وتحديداً من وزارة الدفاع، بالإضافة إلى الأحزاب والقوى السياسية كما لوسائل الإعلام التي عليها أن تكون معنا يداً واحدة لوضع حد لهذا الموضوع الخطير.

0 كثيرون انتظروا التسليم والتسلّم في وزارة الداخلية ليروا وزيرتهم الأولى تستعرض ثلة قوى الأمن وتستقبل بتحيات عسكرية من كبار الضباط. ما كان إحساسك عندها؟

– لا أخفيكم أنني كنت مضطربة بعض الشيء في داخلي، لأنني أحسست بثقل المسؤولية الملقاة على عاتقي، وثقل التحدي للنجاح لأكون على قدر اختيار الرئيس سعد الحريري لي وعلى قدر إثبات أهلية المرأة اللبنانية في المجال العام. في هذا اليوم، شكرت روحَي الشهيدين باسل فليحان ومحمد شطح اللذين آمن بهما الرئيس الشهيد رفيق الحريري واللذين آمنا بي وكانا من أهم الداعمين لمسيرتي المهنية في الحقل العام.

ريا الحفار الحسن

ريّا الحفّار الحسن من مواليد العام 1967، أم لثلاث بنات، حاصلة على درجة ماجستير في إدارة الأعمال من جامعة جورج واشنطن الأميركية، وعلى إجازة في إدارة الأعمال من الجامعة الأميركية في بيروت.

استهلت السيدة الحسن حياتها المهنية بالعمل في القطاع الخاص، ثم أصبحت في العام 1992 مستشارة لوزير المالية، ومنسقة لتنفيذ الشؤون المالية في وزارة المالية ومسؤولة عن مشروع المساعدة الفنية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي/ البنك الدولي/ صندوق النقد الدولي حول «تعزيز الإيرادات والإدارة المالية».

وفي العام 2000، أصبحت مستشارةً لوزير الإقتصاد والتجارة، ومتخصصةً في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لدعم الفقراء في لبنان.

ولاحقاً، عملت السيدة الحسن مديرة للمشروع في مكتب رئيس الوزراء، وكانت مسؤولة عن مشاريع عديدة في رئاسة الحكومة، بما في ذلك دعم رئيس الحكومة في عدد من السياسات والمساعدة التقنية وبناء القدرات. وأشرفت على مشاريع إصلاحية عدة في القطاع العام، من ضمنها وضع أجندة الحكومة للإصلاح الإقتصادي والإجتماعي في إطار مؤتمري «باريس-II» و«باريس-III» للمانحين الدوليين.

وبين تشرين الثاني 2009 وكانون الثاني 2011، شغلت السيدة الحسن منصب وزيرة المالية في لبنان.

وفي العام 2015، عينت السيدة الحسن رئيسة ــ مدير عام للمنطقة الإقتصادية الخاصة في طرابلس، وبقيت في منصبها إلى أن تم تعيينها وزيرة للداخلية والبلديات في حكومة «إلى العمل» برئاسة الرئيس سعد الحريري.

 

 

شاهد أيضاً

لبنان يرفع علمه على جراحه.. ويبحث عن نفسه بين أنقاض الحلم

في بعض الأوقات، نحسدُ نحنُ، الشّباب اللبنانيّ، شباب بعض الدول العربية والأوروبية وغيرها على جنة …