بدعوة من رئيسة المعهد الوطني العالي للموسيقى المؤلفة الموسيقية هبة القواس، نظم الكونسرفتوار الوطني أمسية موسيقية أحيتها الأوركسترا الوطنية للموسيقى الشرق-عربية بقيادة المايسترو أندريه الحاج، في الكنيسة الأرمنية الإنجيلية الأولى في بيروت.
وحضر الأمسية شخصيات سياسية ودبلوماسية وإعلامية وثقافية، تقدمهم دولة الرئيس فؤاد السنيورة، والوزير السابق غطاس خوري، والوزير السابق محمد المشنوق، ومدير عام وزارة الثقافة د. علي الصمد، ومدير عام وزارة الاتصالات د. باسل الأيوبي، وحشد كبير من محبي الموسيقى وجمهور الكونسرفتوار الذي يواظب على حضور الحفلات الدورية التي يحييها المعهد.
“أصداء الشرق” عنوان الأمسية التي افتتح بها الكونسرفتوار حفلاته للأوركسترا الشرق – عربية لهذا الموسم، والتي ستتوالى في مواعيد جديدة يُعلن عنها في حينه، على أن تكون الحفلة المقبلة في الأول من نيسان مع الفنانة جاهدة وهبه وستقام على مسرح “إيفوار” سن الفيل (مسرح كركلا).
وافتتحت الأمسية رئيسة الكونسرفتوار د. هبة القواس بكلمة جاء فيها: “الحفلة الليلة هي الأولى في موسم الأوركسترا الشرق – عربية، ليلة مميزة مع جذورنا وأصداء موروثنا الشرقي الذي نعيد إحياءه من خلال الأوركسترا. هذه الأوركسترا عملت منذ تأسيسها بأسلوب مختلف عن أسلوب العزف الذي اعتدنا عليه في الأوركسترات الشرق- عربية، وما يميزها ليس فقط الآلات وإنما طريقة العزف المختلف والمحترف.
وتابعت القواس: “وفي هذه المناسبة، نعلن عن البدء بابتكار تقليد جديد للكتابة الموسيقية العربية، إلى جانب عزف الأوركسترا من التراث الموسيقي، ولكن في الوقت نفسه ما نتمناه على المؤلفين الموسيقيين اللبنانيين والعرب الذين يكتبون للأوركسترات السمفونية وللأعمال العظيمة، أن يعتنوا بآلاتهم التقليدية، ونتوجه لهم أن يكتبوا تأليفًا عربيًا حديثًا جداً للأوركسترا التي بإمكانها أن تنفّذ هذه الأعمال. فبالإضافة إلى إعادة إحياء القديم، نطمح أن تكون الأعمال ذا بعد تأليفي يغني الريبيرتوار الشرق -عربي بمعناه العميق.”
برنامج شرقي اختير بعناية، وتضمن بعض المؤلفات التي تحمل نفسًا غربيًا، حيث تخلل الأمسية عزف منفرد لعازف الفلوت البارع نبيل مروة في مقطوعتين هما: “بين اللا والدو – أندريه الحاج” و “لونغ شهناز – أدهم أفندي”.
مؤلفون لبنانيون عزفت الأوركسترا مؤلفاتهم بأداء محترف تحت إدارة عصا أندريه الحاج، الذي كان الافتتاح مع إحدى مقطوعاته “ملامح”، التي أخذت الحضور في رحلة ذات أبعاد موسيقية مختلفة لتدخل بعدها نغمة أخرى في معزوفة “شذا” لجيلبير يمين عاكسةً الأصالة في الموسيقى اللبنانية.
وفي امتداد لتنوع موسيقي طبَع البرنامج، عزفت الأوركسترا مقطوعة “بوليرو” للراحل وليد غلمية التي تضمنت هويته الموسيقية الفريدة والحديثة. ومع “ذكرى” مقطوعة المؤلف إياد كنعان، تمكن العازفون من إيصال الحنين المتلطي خلف نغماتها ليعبق في فضاء الكنيسة. وفي إطلالته المميزة على الفلوت، غرّد نبيل مروة منفردًا في مقطوعتَي الحاج وأفندي، اللتين حملتا روح المؤلفين مع إضافةٍ ساحرة من مروة.
وقبل الختام الذي اختاره المايسترو من مارسيل خليفة “لونغا نهوند” التي تميزت بإيقاع رهيف أضفى حيوية على الحفل، و”سلطانة” لعلي الخطيب ذات الصوت الموسيقي الخاص، غنّى الجمهور رائعة الأخوين الرحباني “طريق النحل” مع الأوركسترا، فكانوا الصوت المرافق للموسيقى الفاتنة التي يحفظها اللبنانيون غيبًا للسيدة فيروز.
وكانت لفتة مميزة من الحاج عبر إشراك الحضور غناءً مع الأوركسترا من خلال قصيدة “طريق النحل” مطبوعة وموزعة على الحاضرين، الذين تفاعلوا بحس موسيقي وغنائي مع الأغنية، فصدحت أصواتهم وكأنها كورس مرافق “ضل تذكرني وتذكر طريق النحل”، ما أضفى على الأمسية أجواءً مسكونة بالذاكرة والأصالة والزمن الجميل والتأثير الفيروزي والرحباني.
وبرع المايسترو الحاج في نقل سحر الموسيقى الشرقية عبر توزيعها المتقن للوتريات وآلات النفخ والإيقاع، فشكلت سويًّا فسيفساء ملونة من الألحان، في تناغم مدهش وتلاقٍ متماهٍ مع الشرق في موسيقاه، عبّرت الأوركسترا عن أصالته بتمكّن مشهود لها عبر تاريخها الموسيقي.