تبنى المسؤولون في كندا موقفاً عدائياً في مواجهة الحرب التجارية التي شنها ترمب. فقد فرض رئيس وزراء أونتاريو، دوغ فورد، رسوماً بنسبة 25% على صادرات الكهرباء مما أدى إلى ارتفاع تكاليفها على سكان نيويورك وولايتين أخريين، وبالتالي إثارة غضب الرئيس الأميركي.
ومن جانبه، وصف رئيس الوزراء الكندي الجديد، مارك كارني، الولايات المتحدة بأنها “دولة لا يمكننا الوثوق بها بعد الآن”، مؤكداً أن حكومته ستُبقي على الرسوم الانتقامية “حتى يُظهر الأمريكيون احترامهم لنا” ، وفي يوم الثلاثاء، بدا أن سياسة التصعيد أتت بثمارها، إذ بدأ ترمب اليوم مهدداً بمضاعفة الرسوم الجمركية على الصلب والألمنيوم الكنديين إلى 50%، لكن مع نهاية اليوم، تراجع كلا الجانبين عن مواقفهما المتشددة. فقد علق فورد ضريبة الكهرباء، مما دفع ترمب إلى التعقيب قائلاً “أحترم ذلك”، وإعادة الرسوم على المعادن إلى 25%.

تحذيرات للدول الأخرى
وجهت وزيرة الخارجية الكندية، ميلاني جولي، رسالة واضحة إلى الدول الأخرى التي تتابع تهديدات ترمب ضد كندا، قائلة: “أنتم القادمون”.
لكن الأمور لم يكن من المفترض أن تصل إلى هذا الحد. فعلى مدار أشهر، سافرت جولي، ورئيس الوزراء جاستن ترودو ومسؤولون آخرون عدة مرات إلى منتجع “مار أيه لاغو” المملوك لترمب، ثم إلى العاصمة الأميركية، ضمن حملة دبلوماسية ودية غير مسبوقة تهدف إلى تجنب حرب تجارية والتعامل مع مخاوف ترمب وفريقه بشأن أمن الحدود. ومع ذلك، لم يكن لهذه الجهود تأثير يُذكر.
فرض ترمب الأسبوع الماضي رسوماً جمركية بنسبة 25% على العديد من المنتجات الكندية، مبرراً ذلك بمخاوف تتعلق بتهريب المخدرات وأمن الحدود. كما يستعد الآن للمضي قدماً في فرض رسوم واسعة على واردات الصلب والألمنيوم الأجنبية صباح الأربعاء.
ردود الفعل ضد نهج ترمب
على مدار الشهر الماضي، تغير المزاج العام في كندا، حيث نفذ ترمب ومسؤولوه تهديداتهم بفرض رسوم جمركية، مع الاستمرار في إطلاق تصريحات ساخرة بشأن إمكانية ضم كندا لتصبح الولاية الأميركية الحادية والخمسين. وهذا أدى إلى تصاعد الغضب الشعبي في بلد يبلغ عدد سكانه نحو 42 مليون نسمة، حيث طالب الناخبون الساسة بالتصدي للرئيس الأميركي.
يُعد رئيس وزراء مقاطعة مانيتوبا، واب كينو، مثالاً واضحاً على هذا التحول. فعندما زار واشنطن في منتصف فبراير برفقة قادة المقاطعات الاثني عشر الآخرين، حمل معه رسالة سلام. فقد قال آنذاك: “نحن هنا لنبسط أيدينا بالمصافحة الودية، ونحاول بناء صداقات.. في المدرسة الابتدائية، لم نكُن نكون صداقات من خلال التهديد بالضرب”.

لكن بعد أن فرض ترمب الجولة الأولى من الرسوم الجمركية ضد كندا الأسبوع الماضي، أمر كينو بإزالة المنتجات الكحولية الأميركية من متاجر المقاطعة. ولم يكتفِ بذلك، بل سخر علناً من ترمب، حيث رفع نسخة من توقيعه أمام الكاميرات بنفس الطريقة التي يستعرض بها ترمب توقيعه عند توقيع الأوامر التنفيذية في البيت الأبيض، وسط تصفيق من أعضاء حكومته.
بذل رئيس وزراء مقاطعة كولومبيا البريطانية، ديفيد إيبي، جهوداً كبيرة للتعبير عن استياء بلاده، وغضبه هو أيضاً. فقد قال: “سنتأكد من إدراك الأميركيين لمدى غضبنا” في المقابل، تبنت دول أخرى نهجاً أكثر هدوءاً في التعامل مع الحرب التجارية، على الأقل علناً. فقد تعرضت المكسيك لشكاوى مماثلة من البيت الأبيض وتهديدات بفرض رسوم بنسبة 25%، لكنها عززت إجراءاتها الحدودية في محاولة لنيل رضا ترمب. ومع ذلك، لم تتخذ المكسيك بعد أي إجراءات انتقامية على غرار كندا.
أشار ترمب إلى “احترامه” لرئيسة المكسيك كلوديا شينباوم كسبب لاستثناء السلع المشمولة باتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية من الرسوم الجديدة البالغة 25%. لكنه واصل انتقاد ترودو، مدعياً أنه أدار كندا “بشكل سيئ”، كما سرد طرقاً يعتقد أن كندا “تتحايل” بها على اتفاقية التجارة بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، التي تفاوضت عليها الدول الثلاث خلال ولايته الأولى.
المواجهة أم الدبلوماسية؟
مع تجنب المكسيك لنفس مستوى التصعيد الأميركي الذي واجهته كندا، تنقسم آراء الخبراء حول الاستراتيجية الأمثل على المدى الطويل. فالسؤال المطروح: هل كندا ليس لديها خيار سوى تبني نهج التصعيد لضمان صفقة أفضل، أم أن هذا الأسلوب الأقل وداً سيؤدي فقط إلى دفع ترمب نحو مزيد من التصعيد؟
قال ديفيد كولينز، الأستاذ في قانون التجارة والاستثمار الدولي لدى جامعة سيتي سانت جورج بجامعة لندن: “أعتقد أن ما فعلته كلوديا شينباوم كان خطوة أكثر حكمة. لقد تصرفت بطريقة أكثر دبلوماسية وجدية”.
أما بالنسبة لكندا، فقد أكد كولينز أن السبيل الوحيد لحل الأزمة هو إعادة التفاوض بشكل عاجل على اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا (USMCA)، وهي عملية أرجأها ترودو عندما أعلن استقالته في 6 يناير، وعلق عمل البرلمان ريثما يختار حزبه الليبرالي خليفة له.
وفي مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” (BBC) في يناير، سُئل كارني، الذي فاز في سباق رئاسة الوزارء، عما إذا كان بإمكان المملكة المتحدة تجنب استهداف ترمب إذا التزمت الصمت، فكان رده: “حظاً سعيداً مع ذلك”.
تداعيات المواجهة الكندية مع ترمب
كيفن ميليغان، أستاذ الاقتصاد في جامعة كولومبيا البريطانية، يتفق مع هذا الرأي، ويستدل على ذلك بما حدث مؤخراً مع أونتاريو. فقد أدى قرار حكومة المقاطعة بمعاقبة المشترين الأميركيين للكهرباء إلى إثارة غضب ترمب، لكنه في الوقت نفسه دفع القضية إلى صدارة الأجندة الإخبارية. وبناءً على ذلك، من المقرر أن يلتقي فورد، رئيس وزراء أونتاريو، بوزير التجارة الأميركي هوارد لوتنيك يوم الخميس.
في مقابلة يوم الثلاثاء، قبل وقت قصير من إعلان فورد ولوتنيك عن التهدئة، قال ميليغان إن ترمب “كشف لنا نقاط ضعفه. إنه مستاء جداً من مسألة الكهرباء. جيد، إذن علينا أن نضغط أكثر في هذا الاتجاه” من جانبه، أعلن ترمب أنه سيفرض “رسوماً متبادلة” في أبريل، وهي رسوم للرد على ما تعتبره إدارته حواجز تجارية تفرضها الدول الأخرى. ومن المتوقع أن يشعل ذلك نزاعات بين الولايات المتحدة وعدد كبير من شركائها التجاريين.
ويرى ميليغان أن “الدرس المهم الذي يمكن استخلاصه من تجربة كندا هو أهمية التنسيق بين الدول المتضررة. يجب عليها أن ترد، لكن بطريقة منسقة، لأن ذلك يمنحها أكبر فرصة للنجاح”.
في هذا السياق، أعربت وزيرة الخارجية الكندية جولي عن رغبتها في العمل مع الحلفاء لتنسيق استجابة أوسع نطاقاً للرسوم الجمركية. وربما تشعر هذه الدول الأخرى بالارتياح لأنها لم تواجه الحمى الوطنية التي اجتاحت الجارة الشمالية للولايات المتحدة، حيث لم تعد القضية مجرد نزاع تجاري، بل تصاعدت لتتعلق أيضاً بادعاء ترامب بأن كندا يجب أن تصبح ولاية أميركية، وتهديده باستخدام “القوة الاقتصادية” لتحقيق ذلك.
واختتم ميليغان بالقول: “رفع مستوى المخاطر بهذا الشكل يُصعب للغاية التوصل إلى حلول مربحة للطرفين، كما نرغب عادة. لذلك، سنتصدى بكل قوة ممكنة”.
المصدر: بلومبرغ