محفوض : نحن أيضا نقاوم طالما أن الحكومة لم تُعلن حالة الطوارئ!

يعاني القطاع التربوي في لبنان من تدهور متسارع، ليس بفعل الأزمات الاقتصادية والسياسية فقط، وانما بسبب الصراع العسكري الدائر بين حزب الله و العدو الاسرائيلي، الذي نجم عنه تهجير عشرات الآلاف من الطلاب وأسرهم، إلى مناطق يعتبرها البعض أكثر استقرارا، إلا أن توسع دائرة الاستهدافات بات يهدد الأمان النسبي لهذه المناطق ، وتجابه المدارس الرسمية تحديات قاسية، اذ أُغلقت العديد منها في المناطق المتضررة، ما دفع الطلاب للانتقال إلى مدارس اخرى أو الاعتماد على التعليم عن بُعد، في محاولة لمواصلة العام الدراسي وسط هذه الأجواء العصيبة.

 

في المقابل، وجدت المدارس الخاصة، التي تعد العمود الفقري للتعليم في لبنان، نفسها أمام قرار صعب بعد أن منحها وزير التربية عباس الحلبي حرية انتقاء نمط التعليم بين الحضوري والمدمج، والتعليم عن بُعد، بشرط أن تتحمل مسؤولية مخاطر التعليم في الصفوف. ورغم أن العديد من المؤسسات الخاصة فضلت التعليم المباشر، فإنها تواجه تحديا كبيرا في تأمين الحماية اللازمة للطلاب والمعلمين. هذه المخاوف لم تقتصر على المدارس القريبة من خطوط النار، بل طالت أيضا مناطق مثل غاليري سمعان والكحالة وعاريا وإقليم الخروب والشوف.

 

ومع استمرار عدم الاستقرار الأمني، تواجه وزارة التربية تحديات كبيرة في وضع خطة لإنقاذ العام الدراسي وضمان سلامة الطلاب، وإتاحة خيارات تعليمية مرنة تناسب الجميع، في وقت يعاني فيه القطاع التربوي من شح في الموارد وتأخر الدعم المالي الضروري لاستئجار المباني وتغطية تكاليف التعليم البديل.

 

العناية الإلهية حاضرة… ولكن!

وقبل يومين، نجا تلامذة في مدرستين في منطقتي الجية وبرجا بأعجوبة، بعدما تعرضت احداهما لغارات أدت إلى وقوع مجزرة في برجا، مما اجبر إدارات المدارس على تأجيل الدراسة لهذا الأسبوع بالكامل. وقد أعاد هذا الحادث إلى الواجهة مخاطر قرار وزارة التربية التي اتخذته في 6 تشرين الأول الماضي، والتي منحت بموجبه المدارس الخاصة حرية اختيار شكل التعليم بين التقليدي والمدمج وعن بُعد، مع اشتراط أن تتحمل مسؤولية الطراز الذي تختاره للمضي به.

يأتي هذا القرار في وقت لا تستطيع هذه المؤسسات معرفة المناطق المحتمل استهدافها، ولا تملك معلومات عن بنك أهداف العدو، ما يجعل مسألة تحديد السلامة في التعليم التقليدي غير مأمونة. ورغم كل التصعيد فضل القطاع الخاص بشكل عام النموذج الحضوري، الا ان مواقف متباينة ظهرت مؤخرا بين إدارات المدارس، حيث بدأ بعضها في التفكير بإمكانية العودة الى التعليم عن بُعد بالكامل.

 

الصمود التعليمي

يقول نقيب المعلمين في المدارس الخاصة نعمة محفوض لـ “الديار”: “نحن نعيش في ظروف حرب، وكل يوم نتمكن فيه من تعليم الطلاب حضوريا يعد إنجازا ومكسبا لهم. الوضع الذي نشهده اليوم في البلد ليس في يدنا، ولا في يد أي شخص آخر، بل هو في عهدة الحكومة. وإذا لم تُعلن حالة الطوارئ، سيبقى البلد مفتوحا، مثل المخبز، الصيدلية، المستشفى، المصرف، المصنع والمدرسة أيضا، وعندما يُغلق البلد، تُغلق المدرسة”.

 

التكيف “اجباري”

ويؤكد “سنسعى للتأقلم مع الظروف الطارئة، حيث إن المدارس التي تقع بالقرب منها حوادث مؤسفة قد تغلق أبوابها ليوم أو يومين، وعندما تهدأ الأوضاع تستأنف التعليم الحضوري، وهكذا دواليك. لذلك، سنواصل التدريس بأي وسيلة ممكنة، وفي أسوأ الأحوال قد نلجأ إلى التعليم في الملاجئ أو عن بُعد، إذا تعرضت المؤسسات التربوية للقصف، لأن الأهم هو الحفاظ على استمرارية العام الدراسي، وتمكين الطلاب من اجتيازه بنجاح”.

 

التعليم كأداة مقاومة

ويضيف “نحن نؤمن بأنه إذا كان لهذا البلد أن يخرج من دوامة الأزمات ومن الحالة الصعبة التي وصل إليها، فسيكون ذلك بفضل التربية والتعليم. وما نقوم به هو مقاومة تربوية، وبهذه الطريقة نوجه ضربة للعدو الإسرائيلي، إذ لا يقتصر الصمود على مقاومة المدافع، بل يشمل أيضا المقاومة بالعلم والقلم والإنتاج، وكل ذلك يُعد نوعا من الثبات والتماسك. وبناء على كل ما تقدم، التواؤم مع كافة الظروف المستقبلية الزامي. فإذا وقع انفجار بالقرب منا، سنعطل ليوم أو يومين ثم نعود للعمل، او نقوم بالتدريس عبر الإنترنت لبضعة أيام، ثم نعود للتعليم المباشر لمدة أسبوع. سنندمج مع جميع الأحوال طالما أن الحكومة اللبنانية لم تُعلن حالة الطوارئ، وهذا ما سيحدث في التعليم الرسمي”.

 

المدرسة علاج نفسي!

أما فيما يتعلق بالوضع النفسي للطلاب المهجرين من حيث متابعتهم للدراسة، فيعلق محفوض قائلًا: “الذهاب إلى المدرسة يُعد نوعا من العلاج النفسي لهؤلاء الطلاب. فالأطفال الذين يقبعون في الملاجئ ويعيشون في حالة نفسية سيئة جدًا، عندما نتمكن من إخراجهم من هذا المحيط إلى بيئة أخرى، يندمجون مع أصدقائهم في جو مدرسي، وبذلك نساهم في تخفيف معاناتهم من التوتر والقلق الناتج من الأجواء المحيطة بهم، التي تمثل ضغطا نفسيا كبيرا. وعلى العكس، يجدون في المدرسة بيئة مريحة تساعدهم في تخفيض هذه الأعباء”.

 

التعاون مع “التربية”

ويختم “ما يصيب التعليم الرسمي يصيب التعليم الخاص، ونحن قد اتفقنا مع وزارة التربية والتعليم ، على أن نكون كتفا إلى كتف لإنقاذ ما تبقى من العام الدراسي”.

مطبات “خطة التربية”!

وفي سياق آخر، لا تزال سياسة وزارة التربية لإنقاذ العام الدراسي تواجه تخبطا وعوائق متعددة، أبرزها مسألة استخدام 169 مدرسة خاصة خلال الفترة المسائية لتعليم الطلاب المهجرين من القطاعين الرسمي والخاص. فقد أجّل مجلس الوزراء في اجتماعه الأخير، الفصل في هذا البند لحين تأمين التمويل اللازم لدفع إيجارات هذه المدارس. ويتعلق التحدي الأكبر هنا بإصرار “اليونيسف” على عدم دفع أموال للمدارس الخاصة، ما دفع بالحلبي الى طلب سحب هذا البند من جدول الأعمال لاستكمال المفاوضات.

من ناحية أخرى، بدأت بعض المؤسسات التربوية الرسمية الواقعة على خطوط المواجهات في الجنوب والنبطية والبقاع والضاحية الجنوبية بتسجيل طلابها، لتمكينهم من متابعة التعليم عن بُعد عبر المنصات الإلكترونية، إلا أن تحديات تأمين الأجهزة اللازمة للطلاب والأساتذة لا تزال قائمة، ما يعوق تحقيق الهدف المنشود من هذا التعليم.

 

آراء الطلاب… هواجس لا تنتهي!

وفي ظل هذه الأوضاع، عبّر العديد من الطلاب عن قلقهم البالغ حيال مستقبلهم التعليمي، إذ تحدثت الطالبة مريم من بيروت عن التحديات النفسية التي ترافقهم في ظل تهديدات الحرب المستمرة. تقول: “نشعر بعدم الاستقرار، فكل يوم نتساءل إن كنا سنتمكن من الذهاب إلى المدرسة بأمان، أم سنضطر للجوء إلى التعليم عن بُعد مجددا، ويؤثر هذا الشعور بالتشتت سلبا في تركيزنا ودراستنا”.

من جهته، يرى مدير إحدى المدارس الرسمية في منطقة النبطية، أن “المدارس الرسمية تعاني من نقص في الموارد، وبدون الدعم اللازم، قد لا نتمكن من تلبية احتياجات الطلاب المهجرين أو تأمين وسائل التعليم عن بُعد”، وبحسب مديرة إحدى المدارس الخاصة في الحازمية – بعبدا، فإن التعليم الحضوري يمثل تحديا إضافيا، قائلةً لـ “الديار”: “نعمل على توفير كل إجراءات الأمان الممكنة، ولكن المخاطر الأمنية تبقى قائمة، ونحن نخشى أن نتخذ قرارات قد تعرض طلابنا للخطر”.

 

الاضطرابات النفسية والتعليمية

من جهتها، توضح الاختصاصية النفسانية والاجتماعية غنوة يونس لـ “الديار” أن “الوضع الحالي له انعكاسات بعيدة المدى على الطلاب، اذ يؤثر التعرض المستمر لأجواء عدم الاستقرار والخوف سلبا في صحتهم النفسية، حيث يعاني العديد منهم من مشاعر القلق والتوتر التي قد تحد من قدرتهم على التحصيل العلمي”.

في الخلاصة يبقى التعليم في لبنان تحت وطأة المعضلات الأمنية والاقتصادية، ومع تصاعد وتيرة الاشتباكات، يزداد الضغط على وزارة التربية لإيجاد حلول مبتكرة وملائمة تحمي الطلاب والمعلمين وتضمن ديمومة التعليم. ورغم الجهود المبذولة، فإن الحاجة إلى دعم مالي دولي وتنسيق أمني أكثر فعالية باتت أكثر إلحاحا من أي وقت مضى لكفالة حق الطلاب اللبنانيين في التعليم الآمن.

 

ندى عبد الرزاق – الديار

شاهد أيضاً

بينَ مونتريالَ و بيروتَ

  بقلم الكاتبة حبيبة عبد الستار اديب     عبرتُ من مدينتِي الأنيقةِ  إلى رُبى …