على مدى الاسابيع الماضية، شهد لبنان عمليات فرار جماعية انتهت، بحسب مصادر قضائية، باسترجاع الهاربين، وإعادتهم إلى زنزاناتهم. عمليات الفرار هذه تؤكّد مصادر أنّ سببها الضغط الذي تعاني منه السجون اللبنانية، والتي تخطت قدرتها الاستيعابية منذ زمن طويل، لتنتقل الأزمة اليوم إلى النظارات والمخافر، التي باتت شبه سجون تستقبل موقوفين، بانتظار استصدار قرارات قضائية بحقهم.
وحسب مصدر أمني متابع، فإن المجموعات التي خططت أو لا تزال تخطط للفرار من السجن استفادت من أوضاع البلاد المتوترة اليوم، والتي دعمتها حال الفوضى، بالاضافة إلى النقص العددي الكبير بعناصر قوى الامن.
وبعيدًا عن عمليات الفرار لا يزال عدد من المساجين يقودون حملة الإضراب عن الطعام، بارزين إلى الواجهة مجددا ملف العفو العام، خاصة على صعيد السجناء الإسلاميين، الذين يطالبون بمنحهم أدنى حقوقهم، حسب تعبيرهم، وذلك من خلال رسائلهم الاحتجاجية التي أطفأت في مكان ما شرارة التحركات والاحتكاك والتصادم الذي كان يحصل بين السجناء وعناصر الأمن، علمًا أنّ هؤلاء كانوا يعتبرون بمثابة الشرارة الأولى التي تدفع المتواجدين في السجون الأخرى إلى إعلان حالة التّمرد.
عمليات الاكتظاظ وشبه الفوضى التي كانت تعيشها السجون، دفعت، بحسب المصادر، بقوى الأمن إلى وضع خطة طوارئ وذلك قبل الحرب بحوالى السنة، وهذا ما يوكّد عليه رئيس لجنة السجون في نقابة المحامين المحامي جوزيف عيد، إذ أشار لـ”لبنان24″ إلى أنّ السجون في لبنان ليست أولوية، إذ إنّها تعاني من وضع مزر، علمًا أنّ أحدث سجن في لبنان هو سجن رومية الذي تمّ إنشاؤه عام 1978، أما بقية السجون فهي سجون قديمة العهد.
أرقام ترتفع
حسب الأرقام، فإن نسبة الموقوفين من دون محاكمة وصل إلى 83%، في حين وصل عدد السجناء إلى 8400 سجين موزعين على 25 سجنا، بالاضافة إلى النظارات التي هي معدّة للتوقيف الاحتياطي وعددها 229 نظارة حيث تحوّلت إلى سجون، وهذا ما يعبر عن وضع خطير كبير نتجت عنه مشكلات صحية وأمنية واقتصادية ما عزّز عمليات الفرار والتمرّد ، وحسب أرقام “لبنان24” فإنّ مجموع اللبنانيين الموقوفين من في السجون (من دون النظارات) وصل إلى 4823 سجينا (57,40%)، أما عدد السوريين فوصل إلى 2572، وعدد الفلسطينيين وصل إلى 563، بينما مجموع الموقوفين الاجانب من مختلف الجنسيات وصل إلى 444.
بالتوازي، عزّزت الأحداث الأمنية الأخيرة وما رافقها من عدوان إسرائيلي كثافة الإكتظاظ، حسب عيد، الذي أشار إلى أنّه على سبيل المثال تم توزيع المساجين الذين كانوا يتواجدون على الحدود على عدد من السجون الأخرى. ويقول عيد أن كافة السجناء من بعد الليطاني تم إخلاؤها من كافة النظارات وسجن بنت جبيل والنبطية وجزين، بالاضافة إلى سجن بعلبك الذي أخلي، إلا أن هذا الأمر حسب عيد عزّز أزمة الاكتظاظ، إذ تمّ إضافة قرابة 700 سجين جديد إلى السجون التي تعاني أصلا، فعلى سبيل المثال، فإن سجن رومية المصمم لأن يستقبل 1050 سجينا، هناك اليوم في داخله 3800 سجين، 48% منهم هم من الأجانب، ونسبة السوريين لوحدها 32%.
وبلغة الأرقام أيضا، أوضح رئيس لجنة السجون في نقابة المحامين المحامي جوزيف عيد أن قوى الأمن تعاني من نقصٍ مؤثّر بالعناصر، واليوم نحتاج إلى قرابة 500 عنصر جديد لأجل تأمين الحراسة عند السجون، ويضيف عيد أنّه على الرغم من وجود نقص، وعلى الرغم من مواجهة عمليات فرار، آخرها كانت أكبر عملية فرار من جزين حيث هرب 132 سجينًا، فإن القوى الأمنية تمكنت من إلقاء القبض عليهم، والسلطات الأمنية ووزارة الداخلية اتخذت القرار بقمع اي محاولة أخرى.
ويلفت عيد إلى أن تحوّل النظارات إلى سجون، مع عدم اختصاص القوى الأمنية بمراقبة أو التعامل مع “السجين المحكوم” يقابله ايضا معاناة على صعيد السجون في لبنان والتي باتت تفتقد اليوم للصيانة والتجهيزات وكاميرات المراقبة والآليات المعطلة وأهمها عدم اختصاص قوى الأمن الداخلي. ولا يخفي عيد بالتوازي خطورة الاصطفافات التي قد يلجأ إليها السجناء، ما يؤثر على استقرار السجن، خاصة وسط ما يحصل اليوم في البلاد.
ما الحل إذاً؟
يرى عيد أن الحلّ الأفضل اليوم هو تطبيق قانون أصول المحاكمات الجزائية من قبل القضاء وتحديدًا المواد 107 -108 -111 التي بدأ تنفيذها في الشمال، داعيا إلى تعميمها في كل المناطق إذ إن هذا الامر يعتبر من الحقوق الشرعية للسجين، ومن شأنها أن توفّر 1000 سجين بقضايا الجنح، خاصة على صعيد السجناء الذين تعدّت فترة توقيفهم 4 أشهر والقانون سمح لهم بالخروج بعقوبات بديلة مثل منع السفر وحجز الباسبور، والبقاء تحت المراقبة.
ويؤكّد عيد أن عملية متابعة السجناء مستمرة من قبل نقابة المحامين، خاصة وأن العديد منهم يعاني من أزمات نفسية نسبة إلى الحرب وإصرارهم على معرفة حال أهلهم.
حسب عيد، فإن القانون اللبناني يؤكّد أنّ كل من ارتكب جرمًا داخل الاراضي اللبنانية يجب أن يُحاكم تحت سلطة القانون اللبناني، وبالتالي من غير الممكن أن يرحّل. ويضيف:” بالنسبة إلى الأشخاص الذين انتهت إقامتهم ووضعهم غير قانوني يمكن للأمن العام أن يتخذ قرارًا بترحيلهم، إلا أن المعابر غير الشرعية منتشرة، وهذا قد يسمح لهم بالعودة”.
ويؤكّد عيد أن ما نحتاجه اليوم هو خطة طوارئ قضائية، وكنقابة محامين مستعدون لإحتضان هذه الخطة، وهناك برنامج وفق إحصاءات دقيقة تشير إلى أماكن الخلل. هذا بالاضافة إلى العمل على إنشاء سجون جديدة، ووضعها بعهدة وزارة العدل، كما وإقرار قانون العفو، وتطبيق تخفيض العقوبة 463/2002، إلا أن هذا الامر لا يمكن أن يُطبق إلا على 18% في المئة، نسبة إلى عدم تسريع المحاكمات والتدخل السياسي بالقضاء، والنقص بقوى الأمن الداخلي لناحية عملية سوق المطلوبين ، ولفت عيد إلى أن السجون اليوم هي قنابل موقوته، ولو كان هناك خطة أمنية مطبقة كما كانت قبل الحرب لشهدنا يوميًا توقيف بين 800 وألف شخص ،وبناء على تقرير مفصّل من نقابة المحامبن، حصل “لبنان24” على جدول تفصيليّ بأعداد الموقوفين وكيفة توزيعهم.