المركزية- وكأن الغارات الإسرائيلية على لبنان أصبحت مشهداً يومياً لا يفارق سماءه ليلاً نهاراً… مشهدٌ دراماتيكي ليس بعدد القتلى والجرحى الذي يسطّره في دقائق معدودة وحسب، بل أيضاً بالسموم التي تبخّها الصواريخ الحديثة التي تُصيب البشر والحجر على السواء وتتسبّب بأضرار خطيرة على صحة الإنسان والبيئة معاً، وعندما نتحدث عن البيئة نعني بها الهواء والتربة والمياه، وهي مقوّمات حياة الإنسان وديمومته…
الأستاذة المساعِدة في علوم الكيمياء ورئيسة قسم العلوم الفيزيائية في الجامعة اللبنانية – الأميركية الدكتور ناتالي حايك تُلقي الضوء على هذه المخاطر وتطرح بعض السُبل الوقائية ، وتشرح عبر “المركزية” أن “الغارات الإسرائيلية تتسبّب بدمار أبنية وحرائق كثيرة يتصاعد منها دخان كثيف يحمل موادَ خطيرة من جزئيات وغازات سامة ومعادن ثقيلة…إلخ، هذه المواد عند احتراقها تصبح سامة وخطيرة تُضِرّ بصحة الإنسان أولاً وبالبيئة ثانياً”.
هذه السموم، تُضيف حايك، “تنتشر في الهواء وتستقر في البحر وعلى الأرض حيث تبقى لفترات طويلة.. إذ تبدأ خطورتها بدايةً عند تنشّقها في الهواء ثم استقرارها في المياه – إن كان في الينابيع أم البحيرات أو الآبار الأورتوازية وغيرها – وفي التربة وتحديداً على السهول والمزروعات… هذه العوامل تترك آثاراً مباشرة على الصحة ولا سيما على الجهاز التنفسي وكل ما يرتبط بالقلب… والسموم المتصاعدة من دخان الصواريخ تزيد من معدلات الإصابة بالجهاز التنفسي وبمشكلات في القلب، كما تؤدي على المدى الطويل إلى أمراض سرطانية كون هذه المواد تؤدّي إلى تطوّر الخلايا السرطانية في جسم الإنسان”.
وتتابع: أما مادة “الإترنيت” المحترقة في حال وُجدت في مباني الضاحية الجنوبية أو غيرها من القرى والبلدات المُستهدَفة، فتسبّب شعَيراتها الرفيعة المتطايرة بتقرّح الرئة وتسبّب بأمراض رِئوية خطيرة، كما حصل عقب انفجار 4 آب ، وعما إذا كانت الأمطار التي تساقطت في الأيام الأخيرة، تساعد في تنظيف البيئة من تلك السموم، توضح حايك أن “المطر يقضي على السموم في الهواء مما يخفف من احتمالات الإصابة بالجهاز التنفسي، إنما المطر سيُسقِط هذه السموم على الأرض حيث ستتلوّث بها المزروعات والآبار الجوفية …إلخ”.
نصائح وقائية..
وعن سبُل الوقاية التي تنصَح بها المواطنين لتجنّب التعرّض لهذه السموم، فتُدلي حايك بالنصائح التالية:
– اللجوء قدر الإمكان إلى إقفال واجهات المنازل وزجاج السيارات، واستخدام المكيّفات الهوائية إن أمكن، لأن الفلاتِر الموجودة فيها تنقّي الهواء إلى حدّ ما وتخفّف من نسبة السموم المنتشرة في الخارج.
– الابتعاد عن موقع مصادر الدخان، إذ بقدر ما نبتعد عنها بقدر ما نخفّف من أضرار المواد المشتعلة.
وعما إذا كان ارتداء الكمامات مفيدة في هذه الحالات، فتُشير إلى أن “كمامة N95 تخفّف من أضرار الجزَيئيات، لكنها لا تحمي من سموم المواد الغازية المنتشرة في الجوّ، إذ إن هذه الحالة تتطلب كمامات متخصّصة للوقاية منها” ، ولا تغفل الإشارة إلى “خطورة القذائف الفوسفورية على صحّة الإنسان لأنها تؤذي العين وقد تتلفها نهائياً، كما تُضرّ أيضاً بالجهاز التنفسي وتسبّب بالتهاب الجهاز الهضمي. وإذا كان التعرّض كبيراً ومباشَراً لهذه المواد الفوسفورية فتسبّب الأخيرة بتشوّهات في العظام، وقد تؤثّر على القلب والكِلى والكَبد في الأمد الطويل…”.
وتتابع: كذلك تُضرّ المواد الفوسفورية بالأرض وصحّة التربة ونوعيّة المياه.
الرائحة الكريهة وأسبابها..
وتتطرّق حايك إلى الروائح الكريهة العابقة في الفترة الأخيرة التي يشتمّها سكان المناطق المستهدَفة والمجاورة لها، فتعزو سببها إلى “كثافة الغارات الإسرائيلية في دقائق معدودة والمتواصلة خلال ساعات النهار والليل.. والتي لم تعد تطال طابقاً أو مبنىً واحداً، بل أبنية ومجمّعات بكاملها. الأمر الذي يؤدي إلى حرائق متواصلة لمواد خطيرة على صحة الإنسان، وتتصاعد معدلات خطورة اشتعالها مع الوقت لأن المواد السامة التي تسبّب هذه الرائحة الكريهة لا تتحلّل أو تتفكّك بسهولة في الهواء، وقد تبقى لفتراة طويلة في الجوّ ما يسبّب بأمراض خطيرة مختلفة.