كتبت زينب حمّود في “الأخبار”:
على خلفية موجات النزوح الكبرى من الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية، توسعت دائرة استقطاب النازحين في المناطق الآمنة من المدارس والشقق السكنية إلى الفنادق والشاليهات. ومثلما استغلّ بعض أصحاب الشقق أزمة النزوح ورفعوا بدلات الإيجار وفرضوا شروطاً تعجيزية، وصل الدور إلى أصحاب الفنادق، حتى «صرنا أمام سوق سوداء للفنادق حيث تُسلَّم الغرف لمن يدفع أكثر»، بحسب هيثم، الذي اتصل بأحد الفنادق في الحمرا بعد القصف على بلدته الجنوبية الإثنين الماضي، وحجز غرفة، ثم عاود الاتصال وهو عالق في زحمة النزوح الجماعي وأكد الحجز، ليصل عند الثانية بعد منتصف الليل وقد «طار الحجز» لأن «هناك عائلة أخرى وصلت قبلي ودفعت أكثر»، كما يقول.
«لا يمكن القول إنّ الفنادق فوّلت»، بحسب الأمين العام لاتحاد النقابات السياحية جان بيروتي، «إذ لم تتجاوز نسبة الإشغال فيها 40% على أفضل تقدير، بما يتناسب مع قدرة هذه الوحدات السكنية على استقبال أعداد كبيرة من النازحين، مثل 20 و30 شخصاً في غرفة واحدة أو تسليم أعداد كبيرة من الغرف لعائلة واحدة»، وهو ما قاله بيروتي لرب أسرة نازحة اتصل به ليحجز غرفة في فندق يملكه، «فكيف أؤمّن مبيت 30 شخصاً في غرف بالكاد تتسع لثلاثة أشخاص؟ أما العائلات الصغيرة «فبتقطع». غير أنّ خيار النزوح إلى الفنادق يبقى محصوراً لدى طبقة ضيقة من الميسورين الذين يتحمّلون دفع بدلات يومية تصل إلى 100 دولار للغرفة الواحدة. وقد اضطرّ مصطفى، مثلاً، أن يحجز خمس غرف في فندق في جبيل لعائلته المؤلفة من عشرة أفراد، بدل الليلة في كل غرفة يساوي 80 دولاراً، لأنه «لم يكن هناك خيار آخر أمامي غير المبيت في الشارع بعدما نزحَت عائلتي من الجنوب ولم أستطع استضافتهم بأمان في منزلي في الضاحية الجنوبية. وبعدما انقضت الليلة، انتقلنا إلى شاليه في صنين مقابل 150 دولاراً يومياً، بانتظار إيجاد شقة مفروشة للاستقرار». ولأنّ «معظم الفنادق التي استقبلت النازحين هي تلك الشعبية أو ذات المستوى العادي والمتوسط وليس «الخمس نجوم» المناسبة لقدرة العائلات النازحة على الدفع في هذه الظروف السيئة»، امتلأت الفنادق في الحمرا، حيث الأسعار «معقولة».
أما خيار الشاليهات، ورغم أنه أفضل من الفنادق لجهة سعته لعدد أكبر من النازحين، لكنه «يحصل على نطاق ضيق لسببين، أولهما أنه خيار مكلف، وثانيهما أنه لا توجد حجوزات، وخصوصاً أن الموسم الصيفي لم ينتهِ بعد والحجوزات بمعظمها تمتدّ إلى نهاية أيلول، كما أنّ غالبية هذه الشاليهات يملكها أفراد إما يشغلونها شخصياً أو أفراد من عائلاتهم، لذلك لم تشهد العائلات النازحة عرض الكثير من الشاليهات»، كما يوضح بيروتي.
موجة النزوح إذاً تتجه بشكل أساسي إلى الشقق المفروشة وغير المفروشة، إضافة إلى المدارس التي تستقبل أعداداً كبيرة من النازحين. وفيما كان قطاع تأجير الشقق المفروشة «شبه ميّت» جراء الأزمات المتتالية التي طاولت القطاع السياحي، واستناد المواسم السياحية على المغتربين الذين لا يطلبون شققاً للإيجار، «انتعش» قطاع تأجير البيوت المفروشة مع الحرب، حتى صار محظوظاً من «يظفر» بشقة خاصة في المناطق القريبة من العاصمة. وتكفي جولة سريعة في مواقع التواصل الاجتماعي لملاحظة الطلب الكبير المستمر منذ الاثنين الماضي على شقق للإيجار، وما يحيط به من عمليات نصب واحتيال تقوم على الإيهام بوجود شقة للإيجار واشتراط الدفع عبر شركات تحويل الأموال، أو استغلال الحاجة الملحّة لمسكن و«سلخ جلود النازحين» ببدلات إيجار مرتفعة تدفع سلفاً وتمتدّ من ستة أشهر إلى سنتين.