لغة الإشارة… عندما تتكلم الأيدي

يحتفل العالم في الـ23 من سبتمبر باليوم العالمي للغات الإشارة باعتباره تاريخ إنشاء الاتحاد العالمي للصم عام 1951، إذ يهدف للتوعية بقضايا الصم وحقوقهم والتحديات التي يواجهونها

تمثل “لغة الإشارة” التي يعتمدها ذوو الاحتياجات الخاصة المصابون بالصم وضعف السمع نافذتهم على الحياة، إذ تبقى وسيلتهم الوحيدة في التواصل عبر إيماءات ورموز بالأيدي مع الآخرين، لكن هؤلاء الآخرين غالبيتهم يجهلون تلك اللغة، مما ينعكس على تلك الفئة بالعزلة في غالب الأحيان، ومن ثم الحرمان من الحقوق، التي في مقدمها وأبسطها يأتي التفاعل المجتمعي.

وفي الـ23 من سبتمبر (أيلول) من عام 1951 أنشئ “الاتحاد العالمي للصم”، وهو اليوم الذي يحتفل به العالم (توعوياً) باليوم الدولي للغة الإشارة، التي يستخدمها نحو 70 مليون أصم حول العالم، يعيش 80 في المئة منهم في البلدان النامية، وتصل إلى نحو 300 لغة، تعترف بغالبيتها 71 دولة، بوصفها “جزءاً من إطارها القانوني”، وفق ما ذكرته منظمة الأمم المتحدة.

وعربياً، يبدو أن تلك الفئة ما زال ينقصها كثير وتنتظر مزيداً، إذ يعانون البطالة في مجتمعاتهم، وإن توافرت فرص العمل فرواتبها ضعيفة، كما يواجهون مشكلات مع غالبية المناهج الدراسية، فضلاً عن المعلمين غير المؤهلين، إضافة إلى قلة مترجمي الإشارة، وأخيراً غياب مؤسسات تهتم بتدريبهم وتحفظ حقوقهم، بهدف دعم اندماجهم على قدم المساواة في المجتمع.

ووفقاً لتقرير أصدره المركز القومي للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة في مصر فإن لغة الإشارة ظهرت للمرة الأولى على يد طبيب أميركي يدعى دي ليبيه في القرن الـ18، حينما حاول ابتكار طريقة للتواصل مع أطفال من الصم كان يتعامل معهم، وتطورت لغة الإشارة وجرى اعتمادها بصورة رسمية عام 1975، وبدأت في الانتشار بأميركا والدول الأوروبية، ومن ثم انتشرت بالدول العربية، وأصبح متعارفاً عليها عالمياً.

الحرمان من التواصل

تقول مترجمة الإشارة ورئيس المؤسسة المصرية لحقوق الصم والمترجمين نادية عبدالهادي، “لغة الإشارة ليست موحدة كما يعتقد كثر، لكن تختلف من مكان إلى آخر، ومن دولة إلى أخرى، وهناك بعض الجهود حالياً لتوحيد لغة الإشارة في العالم العربي، فاللغة العربية بصورة عامة شديدة الثراء، وبها كلمات تحمل أكثر من معنى، أو قد تحمل معاني مختلفة تماماً في البلدان العربية المختلفة، بالتالي عند ترجمتها للغة الإشارة لا يكون الأمر سهلاً”.

وتضيف عبدالهادي، “لغة الإشارة هي الوسيلة الوحيدة للأصم للتواصل مع العالم، وفي حال لم تهتم أسرته بتعليمه هذه اللغة يكون في انعزال تام عن العالم. وفي العالم العربي بعض الفئات ليس لديها الوعي الكافي للتعامل مع شخص أصم، ومن ثم لا يهتمون بتعليمه لغة الإشارة، ما يترتب عليه حرمانه من القدرة على التواصل، والجهل بما حوله، فاهتمام الأسرة ووعيها بحاجات الأصم هو الأساس الذي يحدد طريقة حياته”.

وعلى رغم أنه خلال الفترة الأخيرة يبقى ملحوظاً وجود اهتمام أكبر بلغة الإشارة، وكذلك بمترجم الإشارة في البرامج التلفزيونية، وفي كثير من الفعاليات الرسمية، فإن عبدالهادي تلفت إلى أنه “تبقى كثير من المشكلات التي يواجهها مترجمو الإشارة ذاتهم تتعلق باعتمادهم من جهات رسمية وبوجود مؤسسات تهتم بتدريبهم وحفظ حقوقهم وتوفير فرص عمل بأجور مناسبة، فهي إن توافرت بصورة جيدة سيدفع هذا مزيداً من الناس إلى تعلم لغة الإشارة، بالتالي تكون هناك وفرة في المترجمين، باعتبار أن هناك احتياجاً لمترجم إشارة في كثير من المؤسسات مثل البنوك والمصالح الحكومية”.

غياب الوعي

واحد من الأهداف الأساس التي يسعى إليها اليوم العالمي للغة الإشارة هو نشر الوعي بأهميتها وبدورها في حياة الأصم من خلال فعاليات مختلفة. يقول مراد الصوص، مذيع ومترجم لغة الإشارة ورئيس لجنة العضوية في المنظمة العربية لمترجمي لغة الإشارة، “بحكم تجربتي الشخصية فوالدي ووالدتي وكثير من أفراد العائلة كانوا من الصم، وغالب التحديات التي يواجهها الصم في العالم العربي بصورة عامة هي مشكلة البطالة، إذ يعاني الشخص الأصم بصورة كبيرة في الحصول على وظيفة، وحتى لو حصل عليها يكون الراتب ضعيفاً جداً، وأيضاً مشكلة التعليم فغالب المناهج الدراسية لا تتناسب مع الأطفال الصم، فهي في حاجة إلى تغيير، وكثير من المعلمين غير مؤهلين وفي حاجة إلى مزيد من التدريب على لغة الإشارة”.

ويلفت الصوص النظر إلى قلة المترجمين الذين يعدون همزة الوصل بين الأصم والعالم الخارجي، “هناك قلة لمترجمي لغة الإشارة في كل المؤسسات والأماكن الخدمية والحكومية، لغة الإشارة تختلف من دولة إلى أخرى، في العالم 300 لغة إشارة تختلف بحكم المنطقة الجغرافية، في دول الخليج تتشابه لغة الإشارة، وفي بلاد الشام تكون قريبة من بعضها بحكم تقارب اللهجة، لكن لغة الإشارة في دول المغرب العربي تختلف كثيراً عن لغة مصر أو الشام، ولغة الإشارة في العالم العربي تختلف كلياً عن لغات الإشارة في الدول الأجنبية. وهذا الاختلاف يؤكد الحاجة إلى الاهتمام بدور مترجم الإشارة”.

ويشدد الصوص على أن المجتمعات العربية ما زلت “في حاجة إلى نشر الوعي بهذه الفئة، من خلال المنظمات المعنية بهذا الأمر، التي تساعد على زيادة إدراك الناس أهمية لغة الإشارة ودور المترجم والدفاع عن قضايا الصم”، مشيراً إلى أن “الإعلام له دور كبير، فأصبحنا نشاهد لغة الإشارة أكثر انتشاراً على الشاشات وفي كثير من المؤتمرات والفعاليات الرسمية المختلفة، فهذا نوع من الدمج لمن يعاني الصمم، وجزء من حقهم في الحصول على المعلومة، مثل كل فئات المجتمع”.

الحروب تضاعف أزمات الصم

أزمات متلاحقة عاناها العالم العربي في الفترة الأخيرة من جراء الحروب والاشتباكات الممتدة في مناطق متفرقة، أبرزها أخيراً الوضع القائم في غزة والسودان، وعن أثر الصراعات على تلك الفئة، يقول الصوص “الحروب تضاعف من معاناة الأصم، وتزيد من حالات الصمم والإعاقة بصورة عامة نتيجة الإصابات بالشظايا وغيرها، هؤلاء يعانون بشدة في مثل هذه الأجواء المتعلقة بالحروب، فالأصم لا يستطيع سماع صوت الانفجارات أو الطائرات، ومن ثم تكون معاناته أكبر والخطورة التي يتعرض لها مضاعفة”.

ويشدد الصوص على أهمية أن هؤلاء يحتاجون إلى آلية معينة للدعم في هذه الأوضاع، نحو “تجميعهم في مجموعات في أماكن معينة، وتوفير مترجم لغة إشارة في غالب الأوقات، أو إضافتهم إلى مجموعات على وسائل تواصل تنشر معلومات بلغة الإشارة، ليبقى الأصم على معرفة بالمستجدات”.

المصدر : عربية Independent

شاهد أيضاً

أهمها حظر إفشاء أسرار المرضى.. أبرز ملامح قانون المسؤولية الطبية بعد موافقة الحكومة

وافق مجلس الوزراء في اجتماعاته هذا الأسبوع برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي على مشروع قانون بإصدار …