تندرج فكرته في إطار ما يسمى بالعمارة المناخية الحيوية أو “البيومناخية” التي تعنى بدرس علاقة التصميم المعماري والهندسي بالعوامل المناخية.
تعمل فكرة التسخين الشمسي على تجميع الحرارة من طريق امتصاص أشعة الشمس وتسخيرها لتسخين الهواء في المباني، وكانت قد استخدمت هذه الفكرة في الهندسة المعمارية منذ العصور القديمة، من خلال استخدام الجدران المصنوعة من الطوب والحجر، والتي كان الهدف منها احتجاز الحرارة أثناء النهار وتحريرها ببطء في الليل.
واليوم مع صعود قضية التغيير المناخي أعلى قائمة الملفات المطروحة، تعود أنظمة التدفئة الشمسية السلبية لتكتسب زخماً وشعبية بسبب استهلاكها المنخفض للطاقة واستدامتها النسبية، ومنها فكرة الجدار الترومبي.
جدار ترومب
وسمي جدار ترومب، ويطلق عليه أيضاً اسم جدار الكتلة أو الجدار الشمسي أو جدار التخزين الحراري، على اسم مبتكره المهندس فيلكس ترومب الرائد في تصميم المباني الشمسية السلبية، والذي ينسب إليه الفضل في طرح فرضية التبريد الإشعاعي النهاري السلبي، ونفذ أول جدار ترومبي عام 1967 بواسطة المهندس المعماري جاك ميشيل في فرنسا.
وتندرج فكرته في إطار ما يسمى بالعمارة المناخية الحيوية أو “البيومناخية” التي تُعنى بدرس علاقة التصميم المعماري والهندسي بالعوامل المناخية بهدف خلق جو مريح داخل المنزل من دون اللجوء إلى الوسائل الكهربائية والميكانيكية مثل المضخات أو المراوح أو أدوات التحكم الكهربائية لتحريك الطاقة الشمسية، فهو يعتمد بصورة أساس على فكرة بناء الكسب الشمسي السلبي، فما هي آلية بناء الكسب الشمسي السلبي؟ وكيف تُطبق في الجدار الترومبي لاستثمار الأشعة الشمسية والتعامل معها صيفاً وشتاء؟
الكسب الشمسي السلبي
ويشير التصميم الشمسي السلبي إلى استخدام طاقة الشمس لتدفئة وتبريد أماكن المعيشة من خلال تعريضها للأشعة الشمسية، فعندما تضرب أشعة الشمس مبنى يمكن لمواد البناء أن تعكس أو تنقل أو تمتص الأشعة، وهذا على عكس أنظمة التدفئة الشمسية النشطة، فإن الأنظمة السلبية بسيطة ولا تنطوي على استخدام كبير للأجهزة الميكانيكية والكهربائية.
ويشمل التصميم الشمسي السلبي الكامل خمسة عناصر، الأول المساحة الزجاجية الكبيرة التي يدخل من خلالها ضوء الشمس إلى المبنى، والعنصر الثاني هو السطح الصلب الداكن الذي يمتص الأشعة، ويمكن أن يكون جداراً أو أرضية من الطوب أو حاوية مياه، والثالث الكتلة الحرارية وهي المواد التي تخزن الحرارة الناتجة من ضوء الشمس، وفي حين أن السطح الممتص للأشعة مكشوف فإن الكتلة الحرارية هي المادة الموجودة أسفل هذا السطح وخلفه، والعنصر الرابع هو الطريقة التي تنتقل بها الحرارة الشمسية من نقاط التجميع والتخزين إلى مناطق مختلفة من المنزل، وآخر العناصر هو عنصر التحكم ولتطبيقه يمكن استخدام أسطح السقف لتظليل منطقة المساحة الزجاجية خلال أشهر الصيف.
آلية عمل الجدار
إذاً الجدار الترومبي عبارة عن إستراتيجية تصميم مبنى شمسي سلبي تتبنى مفهوم الكسب غير المباشر، والغرض منه الحفاظ على التحكم الحراري الداخلي في الشتاء والصيف من دون استخدام نظام آلي وتوفير كبير للطاقة.
ويجمع الجدار بين الزجاج ومادة داكنة تتميز بقدرتها على امتصاص الحرارة لتوصيلها ببطء إلى المنزل، إذ يتكون من لوح زجاجي خارجي يعمل على تجميع الطاقة الشمسية يوضع على مسافة تتراوح بين سنتيمترين وخمسة سنتيمترات تقريباً من جدار حجري أو خرساني مطلي بلون داكن لامتصاص الطاقة الحرارية من ضوء الشمس وتخزينها، وبينهما فجوة أو حجرة هوائية عازلة بين الجدار والطلاء الزجاجي، ونظام فتحات للتحكم في دخول وخروج الهواء بين المساحة الداخلية والحجرة والخارج، إذ تضرب أشعة الشمس اللوح الزجاجي، أي سطح تجميع الطاقة الشمسية أولاً، ثم تمر عبره لتمتصه الكتلة الحرارية وتحوله إلى حرارة، بعدها تنقل ببطء إلى المساحة الداخلية.
ويمر الهواء إلى داخل المنزل عبر فتحتين في الجدار، علوية لإدخال الهواء الساخن وأخرى سفلية لإخراج الهواء البارد، ويمكن أن تستغرق هذه العملية ما بين ثمان و10 ساعات لجدار ترومبي سمكه 20 سنتيمتراً، وهذا يعني أن الجدار يمتص الحرارة أثناء النهار ويعيد بثها ببطء للمنزل في الليل، مما يقلل بصورة كبيرة من الحاجة إلى التكييف التقليدي.
ومن المعلوم أن الإشعاع الشمسي المباشر له طول موجي أقصر، وبالتالي يوصل بسهولة عبر الزجاج، بينما تأخذ الحرارة المعاد انبعاثها من الكتلة الحرارية شكل إشعاع ذي طول موجي أطول، مما يمنعها من المرور عبر الزجاج بسهولة، وهذه الخاصية للإشعاع الشمسي التي توصف بقانون “فيين Wien “للإزاحة، تحبس الحرارة بين اللوح الزجاجي والجدار الحجري، مما يسمح للجدار الترومبي بامتصاص الحرارة بصورة فعالة مع الحد من إعادة انبعاثها ثانية إلى الخارج.
أقصى استفادة
ويمكن للمواد والأبعاد والألوان والتغييرات الأخرى المختلفة أن تؤثر في كفاءة نظام جدران ترومب، لذا فالتخصيص الدقيق لهذه العوامل من شأنه أن يحسن كفاءة الجدار، فعلى سبيل المثال ينبغي أن يتم مراعاة سمك جدار البناء تبعاً للمادة المستخدمة والموازنة بينهما، فالأكيد أن المواد الأكثر توصيلاً تنقل الحرارة بسرعة أكبر.
كما أن جدار ترومبي هو نظام يعتمد بصورة كبيرة على المناخ المحيط، مما يعني أن الموقع وتغيرات الطقس يمكن أن تؤثر سلباً في فعاليته، ولتحقيق أقصى استفادة من الطاقة الشمسية يواجه الجانب الزجاجي من الجدار، عادة جهة الجنوب أو خط الاستواء، مما يسمح بتجميع مزيد من أشعة الشمس أثناء النهار وفي الشتاء.
كما يقوم المعماريون بطلاء جدار البناء باللون الأسود لزيادة قدرته على الامتصاص، أو استخدام الزجاج عالي النفاذية لتعظيم المكاسب الشمسية، ومع ذلك فقد يرغب العملاء في أن يكون جدار البناء أقل تعتيماً للسماح بدخول ضوء النهار إلى المنزل، مما يتطلب من المصممين الموازنة بين الجاذبية الجمالية والكفاءة، وقد يستخدم المهندسون الزجاج المنقوش لإخفاء الكتلة الحرارية على ألا يضحي هذا الاختيار بالنفاذية.
وبالطبع يجب على المعماريين التغلب على بعض العيوب الجمالية، بخاصة الإضاءة، إذ يمكن تعويض العتمة الناتجة من الجدار المعتم المواجه لخط الاستواء من خلال فتحات السقف والنوافذ المجاورة والإضاءة الاصطناعية الكافية.
المصدر: عربية Independent