بين الاسم والكنية… المرأة كـ “مضاف إليه”

استبدال الزوجة لاسم عائلتها المتوارث بلقب الزوج، وفقاً للمعارضين، هو تقليد يليق بالعصور القديمة حيث كان كيان المرأة يذوب في كيان شريك حياتها باعتبارها بلا مهنة معترف بها أو حيثية أو حتى شخصية مستقلة.

من بين مصادر الحيرة المتكررة في الطفولة، لماذا تأخذ زوجات الشخصيات السياسية الكبرى في مصر ألقاب أزواجهن، مثل سوزان مبارك، تحية عبد الناصر، وجيهان السادات. كان الأمر غريباً في المجتمع المصري على وجه التحديد، حيث إن الزوجات يحتفظن بألقاب أسرهن في الأوراق الرسمية، وحتى في ما يتعلق بالتعاملات اليومية الشفهية. بعد ذلك أخبرتنا الأفلام العالمية أن الشائع هو أن تحصل الزوجة على لقب عائلة شريك حياتها عقب توثيق الزواج رسمياً، وهو أمر معمول به أيضاً في بعض الدول العربية كعرف اجتماعي، حيث تعرف المرأة بكنية العائلة الجديدة التي انضمت إليها.

هذا التقليد المتفق عليه شفاهة في بعض الثقافات وموثقاً في أخرى، يجعل البعض يتساءل عن فكرة التبعية، لماذا تتبع الزوجة كنية شريكها؟ ماذا عن استقلاليتها وكيانها. وماذا عن أسرتها الأساسية التي نشأت معها؟ هل هي هيمنة ذكورية أم امتنان وتوافق بين شريكين؟ وماذا يمكن أن يحدث إذا اشتهرت إحدى الشخصيات ذات الحيثية بلقب عائلة الزوج ثم حدث الانفصال؟

للشكر والمحبة

لا تبدي الكاتبة والمترجمة سنية شعراوي، وهي حفيدة هدى شعراوي رائدة الحركة النسائية بمصر خلال النصف الأول من القرن الـ20، أي ضيق من فكرة حصولها على لقب عائلة زوجها بعد الارتباط الرسمي، لافتة إلى أنها على العكس تضايقت بشدة من تضييق القوانين استعمال النساء المتزوجات لألقاب أسر أزواجهن، مشيرة إلى أنها ارتبطت بزوجها الإيطالي الذي أنجبت منه ابنيها كريم وثريا قبل عقود، وحرصت على أن تجعل لقبها الرسمي يتضمن اسم عائلتها المصرية العريقة وكذلك كنية زوجها فأصبحت “سنية شعراوي لافرانشي”.

لكن بعد سنوات أصبحت القوانين السارية في إيطاليا لا تبيح هذا الأمر بشكل سلس. تؤكد سنية أنها ممتنة لزوجها وأسرته، بالتالي فاختيارها النسب لاسمه جاء عن قناعة ورغبة تامة منها، معتبرة أن هذا نوع من أنواع الشكر ودلالة على طيب المعشر بينهما. ومثل إيطاليا قررت اليونان أيضاً منذ أكثر من 40 عاماً أن يحتفظ كل من الزوج والزوجة بأسماء ميلادهما حتى بعد الارتباط الرسمي، وجاء تبرير ذلك بأنه يضمن تحقيق المساواة بين الجنسين، ونفس الشيء بالنسبة إلى أيسلندا وإسبانيا.

كذلك ترفض المعلمة عالية . ك، من لبنان اتهام النساء اللاتي يتم تعريفهن بلقب عائلة الزوج بالخاضعات أو المستسلمات للهيمنة الذكورية، مشددة على أن الأمر اختيار وليس إجباراً، وهو عرف مجتمعي معروف في وطنها لبنان ولا تتبعه أية إجراءات قانونية أو تغيير في الوثائق الرسمية، حيث لا يخرج عنه كونه وسيلة للتعريف، فبدلاً من القول إنها فلانة ابنة فلان زوجة فلان، يتم الاختصار باستعمال كنية عائلة الزوج من دون الاستغناء عن اسمها الأول، كما أن كثيرات يحتفظن باسم عائلاتهن الأصلية مع الأسرة التي بتن ينتسبن إليها بحكم عقد الزواج، من باب التكريم للأهل وأيضاً كعلامة على الترابط والاندماج مع العائلة الجديدة.

لكن عالية أيضاً تقول إن الوضع يبدو فوضوياً حينما تكون لدى المرأة حيثية في المجتمع وفقاً لمجالها المهني، وتظل لفترة طويلة معروفة بلقب الزوج ثم يحدث الطلاق، وقتها سوف تبذل جهداً مضاعفاً لكي تعيد تأسيس اسمها من جديد لدى الدائرة التي تتعامل معها، بعد أن تنزع عنه لقب الزوج السابق، لكن عالية تبدي تحفظها على إلغاء اسم الزوجة تماماً والاكتفاء بتعبير “مدام فلان”، وهو ما يحدث في بعض المناطق.

مواقف متباينة

جرت العادة أنه في ما يتعلق بالشخصيات النسائية المشهورة نجد أن الأكثرية يفضلن الاحتفاظ بلقبهن العائلي المتوارث حتى بعد الزواج، لا سيما حينما تكون شعبيتهن على مستوى ضخم ومعروفات في المجتمع بأسمائهن كما هي، وهو أمر ينطبق على نجمات الفن والمجتمع البارزات، مثلما يحدث مع نجمات هوليوود على سبيل المثال، لكن هناك أيضاً من يستمدن شهرتهن من سمعة الأزواج من الأساس، على سبيل المثال ميشيل أوباما، وهيلاري كلينتون، ولورا بوش، وميلانيا ترمب، وغيرهن.

المحامية الدولية ذات الأصول اللبناينة أمل علم الدين، قامت بتغيير كنيتها رسمياً قبل عشر سنوات ليصبح أمل كلوني بعد زواجها من النجم جورج كلوني، لم تحتفظ بلقبها وإنما اكتفت بكنية الزوج، وذلك وفق ما جاء على الموقع الرسمي لمكتب المحاماة الذي تعمل به. كذلك فإن غالبية زوجات نجوم الفن في لبنان على وجة التحديد يحرصن على الحصول على لقب الزواج، وبينهن داليدا عياش، وجيهان علامة، وكوليت الحلاني، وغيرهن.

في تونس أيضاً ينتشر هذا التقليد، لكن تم التصويت في مارس (آذار) الماضي على مشروع قانون يشمل تعديلات في بطاقة الهوية يلغي إجبارية وضع لقب الزوج بها، وهو ما رحبت به الحركات النسائية معتبرة أنه خطوة مهمة على الطريق الصحيح، مع التبرير بأنه كان من المعيب أن ينحصر تعريف المرأة التونسية الحاصلة على امتيازات هائلة وفقاً لقانون الأحوال الشخصية في البلاد بأنها “حرم فلان”.

تقليد أبوي ذكوري

عادة تغيير لقب الزوجات أقرب للغرب منها إلى الشرق، حيث كانت المرأة في بعض دول أوروبا تعتبر من ممتلكات زوجها، واللافت أن هذا التقليد لا يزال منتشراً، فعلى رغم ثقافة الجندر أو النوع الاجتماعي وانتشار أفكار النسوية والاستقلال فإنه وفقاً لبحث علمي أجرى قبل ثماني سنوات في بريطانيا، وأوردته “بي بي سي” أيضاً، فإن ما يقرب من 60 في المئة من النساء يفضلن حمل لقب الزوج. وتعليقاً على هذه الظاهرة قال سايمون دنكن الأستاذ في جامعة “برادفورد” البريطانية للموقع الإنجليزي، إن الأمر مفاجئ جداً بالنسبة إليه لأنه يرى أن هذا التقليد يعود إلى أصول أبوية بحتة، حيث كان العرف السائد هو أن المرأة تصبح من ضمن ممتلكات زوجها بعد الزواج، مشيراً إلى أن قوة هذه العادة حتى هذا العصر ربما تمثل تسريباً من عادات الماضي إلى الوجدان لا شعورياً، وأيضاً لأن البعض يعتقد أن الحفاظ عليها هو من ضمن بنود ومتطلبات العائلة المثالية قوية الروابط، وهو أمر يعبر عنه تقليد آخر في مراسم الزفاف متعلق بقيام الأب بتسليم ابنته إلى زوجها يداً بيد وكأنه ينقل إليه السلطة عليها، بالتالي تصبح منتسبة إلى القائد وولي الأمر الجديد، بحسب تصريحات الأكاديمي البريطاني.

الجبهة المعارضة التي تدخل في جدال بسبب هذه الأفكار في مجموعات الـ”سوشيال ميديا”، ترى هذا تناقضاً في أفكار النساء الداعية إلى صنع كيان مستقل واسم ناجح في مهنهن، وبين السعي لاتباع هذا الأسلوب القديم في ما يتعلق بالأسماء، مشيرة إلى أن المرأة غير المتحققة وذات الدخل المنخفص والمتطلعة للحصول على مزايا وأموال وحماية من الشريك هي الأولى بأن تسلك هذا النهج. إلا أن المتشبثات بالتقليد يعتبرن ذلك حلاً عملياً لتجنب أية أزمات قانونية تتعلق بالوثائق الرسمية التي تخص العائلة، بالتالي يخترن لقباً موحداً، كما أن أخريات ينظرن إلى الأمر على أنه طريقة غير مضرة للحفاظ على تفاصيل رومانسية وكلاسيكية مستمدة من أجدادهن. أما الفريق الثالث فيعتقد أن من حق النساء أن يرفضن الاستمرار في نسب أنفسهن للأب، خصوصاً لو كان يعنفهن ويمثل ذكرى سيئة بالنسبة إليهن، وهنا يكون اختيار اسم الزوج حلاً ملائماً.

بين المساواة والوصمة

تتنوع القوانين المتعلقة بإضافة لقب الزوج إلى اسم الزوجة، كما مرت بمراحل كثيرة، ففي فرنسا مثلاً يجب أن تتقدم النساء الراغبات في ذلك بطلب موثق للحصول على لقب عائلة الزوج بشكل قانوني وفق بنود قانون معمول به من مطلع ثمانينيات القرن الماضي. أما في الولايات المتحدة فهناك اختلافات بين القوانين وفقاً لكل ولاية، وقد خاضت الناشطات أشواطاً من أجل جعل الأمر يحدث بطريقة عادلة من وجهة نظرهن، حيث إن الناشطة لوسي ستون التي عاشت في مطلع القرن الـ19 قد خاضت صراعاً قانونياً للحصول على حق الاحتفاظ باسمها العائلي الأصلي، ومثلها كذلك الحقوقية جين غرانت، وعلى نهجهما سارت كثيرات.

على النقيض تتيح ولايات أميركية عدة للرجال أيضاً تغيير أسمائهم بعد الزواج واستعمال لقب عائلة الزوجة في حال قدموا طلباً أو التماساً بذلك، والأمر نفسه بالنسبة إلى القوانين الألمانية، وهذا شائع كذلك في مقاطعة كولومبيا البريطانية بكندا، أما في روسيا فإن ذلك التصرف يعد تقليلاً من شأن الرجال ويشكل وصمة اجتماعية في أغلب الأوساط هناك.

وبينما تحتفظ النساء في الصين بألقابهن منفصلة عن اسم عائلة شريك الحياة حتى بعد الزواج، نجد أن القوانين اليابانية ترفض الاعتراف بأي ثنائي طالما أن كلاً منهما لا يزال يستعمل لقباً عائلياً مختلفاً عن الآخر، وفي ما يتعلق بالأطفال من الشائع أن يحصلوا على الألقاب الأبوية، ولكن في بعض الدول أيضاً يمكن أن يتضمن اسمهم الكامل لقباً أمومياً مستمداً من عائلة الوالدة.

في مهب “العيب”

وفي حين قد يلجأ عديد من الأسر بالفعل للتمسك بهذا التقليد من أجل تسهيل عملية التعريف، فإنه في بعض المجتمعات العربية يختار قطاع من الناس مناداة المرأة وسط التجمعات باسم ذكوري تماماً، وهو هنا إما اسم الزوج أو الابن الأكبر أو حتى الأب لو لم تكن متزوجة، تجنباً لإعلان اسمها في الأماكن العامة باعبتاره عيباً أو غير مستحب، وأصحاب هذا المنطق يتبنون الفكر نفسه في ما يتعلق بأسماء حسابات النساء على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يفضلن أن يحمل أسماء الأبناء أو الأزواج أو أي اسم مستعار، وكأن اسم المرأة عار.

أيضاً تختفي أسماء النساء في بعض القرى المصرية تماماً من على الألسنة بعد إنجاب الطفل الأول فتصبح أم فلان أو أم فلانة، حيث إن المحيط يشجع على هذا التصرف المتوارث. لكن منيرة عبدالله، وهي جدة سبعينية من إحدى قرى محافظة بني سويف جنوب البلاد، تقول إنها نشأت في مجتمع محافظ ولم تتعرض لمثل هذا الأمر، ولم تشعر أبداً بأن اسم المرأة من المحظورات، مضيفة “نلت قسطاً من التعليم، والتحقت بوظيفة في إحدى المدارس، وكان الطلبة ينادونني بالأستاذة وبعدها ينطقون اسمي، وكذلك أبناء الحي وأهلهم، بينما كان يتم مناداة غيري ممن هم في مثل عمري بأسماء أبنائهن، بالتالي فأنا أعتقد أن الأمر له علاقة بالرغبة في التكريم والتشريف، حيث يبحث الناس عن طريقة لإظهار احترامهم للنساء في تلك المجتمعات، فإذا كانت متحققة مهنياً تحصل على لقبها المتعلق بوظيفتها، أما غير ذلك فيحاولون تبجيلها بالطرق التي يجدونها ملائمة”.

لكن الجدة التي نالت فرصاً تعتبر غير معتادة في هذا العصر بالنسبة إلى النساء، تبدي ضيقها من تعمد البعض في العصر الحالي طمس شخصية النساء عمداً ومن دون سبب، مشيرة إلى أنها تجد أزواجاً كثراً ينادون زوجاتهم بأسماء رجالية تحرجاً من إعلان اسمائهن الحقيقية في أي تجمع حتى لو كان عائلياً، وعلى رغم أن المرأة هنا قد تكون في وظيفة مرموقة وتتعامل يومياً مع عملاء وموظفين ولها كيانها المادي والمهني، متسائلة “ما العيب في اسم الزوجة أو الأم؟ إن التعامل بهذا المستوى من الحساسية جعل البعض يعايرون من يدخلون معهم في مشاحنات بأنهم يعرفون أسماء أمهاتهم، وهو سلوك غير مفهوم، والأغرب أنه منتشر في هذا العصر في ثقافات ومجتمعات عدة”.

البعض دخل في جدال بسبب أن حصول المرأة على لقب الزوج ربما يخلق نوعاً من الفوضى وربما تداخل الأنساب، وهنا حسمت دار الإفتاء المصرية اللغط بعدما وردتها استفسارات كثيرة في ما يتعلق بالنمط المنتشر في الغرب من حصول المرأة على لقب الزوج، بالقول إنه “لا حرمة فيه ولا حرج، ويدخل تحت إطار التعريف وتحديد الشخصية، لأن العرف الغربي قائم على أن المرأة إذا كانت متزوجة فإنه يُضاف إلى اسمها لقب عائلة زوجها، وذلك بعد وصفها بكونها متزوجة بالمصطلح المفهوم من ذلك عندهم، وهو مدام أو نحو ذلك، وهذا نوع من التعريف الذي لا يوهم النسبة عندهم بحال، وذلك مقام قولنا: فلانة متزوجة من أحد أبناء العائلة الفلانية”. ثم أضافت الفتوى “المحظور في الشرع إنما هو انتساب الإنسان إلى غير أبيه بلفظ البنوة أو ما يدل عليها، لا مطلق النسبة والتعريف”.

المصدر: عربية Independent

شاهد أيضاً

وصلوا بدراجات نارية.. سرقة “كنز وطني” من متحف فرنسي في وضح النهار!

في وضح النهار، سُرق كنز من المجوهرات تقدر قيمته بملايين اليورو، في عملية سطو مسلح …