تمضي العالمة في البيولوجيا الفلكية ليزا كالتينيغر أيامها تراقب الفضاء الخارجي ناظرة عبر عدسات أقوى التلسكوبات الفضائية في العالم وتقول إن وجود أشكال حية على حافة الكون ليس رهناً بتوافر الأوكسجين فحسب بل غاز الميثان أيضاً
تناقش عالمة الأحياء الفلكية الدكتورة ليزا كالتينيغر إمكانية اكتشاف حياة فضائية، مؤكدة على أهمية الأوكسجين والميثان في اكتشاف الكواكب الصالحة للحياة. ومع التطورات مثل تلسكوب “جيمس ويب” الفضائي، أصبحنا أقرب من أي وقت مضى إلى العثور على عوالم شبيهة بالأرض، وبخاصة في نظام “ترابيست-1″، مما قد يحدث ثورة في فهمنا للكون
معلوم أن نجماً واحداً من كل خمسة نجوم في الفضاء الخارجي يدور حوله كوكب مشابه لكوكب الأرض. إنها حقيقة تبعث على الذهول. نتحدث عن نجم واحد من كل خمسة نجوم، في حين أن مجرة “درب التبانة” وحدها تحوي 200 مليار نجم. بناء عليه، ثمة 40 مليار احتمال لوجود عوالم فضائية على شاكلة عالمنا في مجرتنا فحسب.
أعمل ضمن فريق من البحاثة منوطة بهم مهمة ما يسمى “مستشعر التوجيه الدقيق ومصور الأشعة القريبة من تحت الحمراء والمطياف اللاشَقّي” (اختصاراً NIRISS)، والأخير واحدة من الأدوات العلمية [الأربع] الموجودة في تلسكوب “جيمس ويب” الفضائي [تكمن أهمية هذه الأداة في تحقيق الاستقرار في خط رؤية المرصد خلال عملية الرصد وقيادة مرآة التوجيه الدقيقة لتثبيت الصورة]. وها نحن الآن، [مستخدمين هذه الأداة] ننظر إلى المنظومة الكوكبية “ترابيست-1” (Trappist-1)، التي تُعتبر أول العوالم الفضائية الصخرية المتمركزة ضمن هذه المنطقة الصالحة للحياة. من ثم، نحن نراقب فعلاً بعض العوالم الكونية التي من شأنها أن تكون قابلة لاحتضان أشكال من الحياة.
في هذه اللحظة، نصب تركيزنا في عملية الرصد على الغازات، أي الهواء الداخل والخارج. يبدو المشهد كما عندما تذهب إلى الغابة وتشاهد آثار أقدام تركها خلفه كائن ما. يسعك أن تجزم بعد تفحصها: “إنه غزال لا ريب” مثلاً. ولكن إذا صادفت آثاراً أخرى، لطخات [غامضة] مثلاً موجودة على التربة، فربما تكون بقايا كائن حي ما، ولكن في الوقت نفسه ربما تكون شيئاً آخر أيضاً.
لذا، نترك تلسكوباتنا الفضائية تبحث عن أشكال الحياة كما نعرفها، بينما نبقي أعيننا مفتوحة في الوقت نفسه لرصد أي شيء آخر يكون غريباً وغير مألوف أو غامض وغير مفهوم. عموماً، لا بد من أن تتوخى الحذر الشديد عند تفسير علامات الحياة التي لا تفهمها، ذلك أنه بعض التفسيرات الأخرى تندرج ضمن نوع من الجيولوجيا غير الموجودة في كوكبنا والتي لم تفكر فيها.
تحتاج الحياة على الأرض إلى الماء، ولكن الماء وحده لا يكفي… لحسن الحظ، سنعثر على الأوكسجين في عمليات رصد علامات الحياة، ولكن الأخير وحده ليس كافياً أيضاً. علينا أيضاً العثور على الميثان.
لذا، شرعت منذ البداية في صنع نماذج تصور كوكب الأرض في مختلف أشكالها عبر تاريخها الجيولوجي علنا نعرف منذ متى كنا لنتمكن من رصد بصمة الحياة هذه هنا. أحد لم يخط هذه الخطوة سابقاً. منذ متى كانت الأرض عالماً صالحاً للحياة؟ منذ ملياري سنة مضت، كما تبين لنا، ذلك أنها المدة الزمنية التي ترك فيها مزيج الأوكسجين والميثان بصمة في هواء حياتنا على هذا الكوكب.
لذا، نوشك على اكتشاف الحياة في الكون، ذلك أننا، للمرة الأولى، نعلم بوجود عدد كبير من الكواكب ونعرف أين تقع الكواكب الأكثر قرباً منها إلى الأرض. كذلك نعلم أنه على كوكب مثل الأرض، منذ زهاء ملياري سنة، عليك أن تتفحص الهواء والغلاف الجوي على حد سواء.
باستخدام تلسكوب “جيمس ويب”، علماً أنه مرصد فضائي مصمم لكشف الأشعة تحت الحمراء الصادرة من الأجرام في النظام الشمسي، يمكننا فقط أن نراقب ونتفحص هواء كوكب يمر بيننا وبين نجمه، وهكذا يرشح ضوء النجم عبر هواء الكوكب.
يجد هذا الضوء طريقه إلى تلسكوبي بعد أن يرشح عبر الغلاف الجوي للكوكب. لكل من الجزيئات التي يصطدم بها الضوء بنى مختلفة؛ لذا تتطلب طاقة ممتصة مختلفة، أي لون مختلف من الضوء للاهتزاز على شكل تأرجح وللدوران [يهتز كل جزيء بأنماط مختلفة وكل نمط منها متعلق بطاقة مميزة]، لذا من طريق البحث عن اللون غير الموجود، يسعني أن أخبرك أي عناصر يحملها هواء ذلك الكوكب.
يتعذر عليّ أن أرى سطح الكوكب، لأن الضوء إذا اصطدم بالسطح، فإنه يرتد ولا يمر مباشرة من خلال التلسكوب الذي أستخدمه في عملية الرصد. لذا، في الوقت الحالي، يقتصر بحثنا على الهواء والغازات.
لكن الجيل المقبل من التلسكوبات الفضائية التي نعكف على تصميمها، واسمها “المرصد العالمي الصالح للحياة” Habitable World Observatory، تفوق في حجمها تلسكوب “جيمس ويب”، ومن المقرر الانتهاء منها في وقت ما بين العامين 2035 و2040. عندها، سيهمنا أن نستكشف معلومات أكثر عن الكوكب، وعن سطحه، والألوان التي يمكننا رؤيتها، وجمع تلك الأدلة معاً.
عندما نتأمل مراحل تطور الأرض، نجد أنه كلما ازدادت نسبة الأوكسجين الذي تحويه، صارت الحياة التي تأويها أكبر حجماً واتخذت بنى وخصائص خلوية أكثر تعقيداً. لذا، إذا وجدنا كوكباً يحتوي على 30 في المئة من الأوكسجين، مثلما كانت الحال عندما كانت الديناصورات تعيش هنا، نتوقع وجود كائنات كبيرة أو شديدة التعقيد. وأعتقد أن العنوان الرئيس سيكون: “العصر الجديد للبشرية- لسنا وحدنا”.
سنكون إزاء اكتشاف مذهل، وأعتقد أن البشرية ستعتبر أنه أكبر مغامرة لها. ولما كان المجتمع العلمي الدولي والعلماء متشابكين في ما بينهم، ستقوم البلدان بتجميع مواردها لبناء تلسكوب واحد كبير.
كلما نظرت بعيداً أكثر في الفضاء الخارجي، كلما نظرت إلى الوراء في الزمن… لذا فقد ضاعت هذه العوالم بالنسبة إلينا، فقط بسبب المسافات الشاسعة والوقت الذي يستغرقه الضوء للسفر. ولكن لحسن الحظ، في الكون عوالم قريبة كثيرة. في قسم من كتابي الجديد أطرح السؤال “أين المخلوقات الفضائية؟”. الفضائيون الذين ربما ينظرون إلينا من فوق.
إذا افترضنا أن حياة ما موجودة هناك، وكان في متناول تلك المخلوقات المستوى عينه من التكنولوجيا الذي نملكه، فربما تكون قد رصدت الحياة على الأرض. أتساءل أحياناً، ماذا لو أنها قد أعدت برنامجاً تلفزيونياً للواقع الكوني، ولسان حالها: “يا إلهي، إنهم يدمرون طبقة الأوزون. ثم… هيا أيها الكوكب! لقد أصلحته! هذه حلقة واحدة من السلسلة. ثم في حلقة أخرى، تقول تلك المخلوقات: “يا إلهي، إنهم يدمرون المناخ، هيّا يا كوكب”.
إذا ما عثرت علينا حضارة أخرى فستكون، لنفترض، على بعد مئة سنة ضوئية، وفي هذه الحال سيشاهدوننا نبدأ تواً في استخدام الراديو، ولا نملك مركبات فضائية طبعاً. ومن ثم يكون السؤال: لماذا لم يأتوا إلى هنا؟ حسناً، شخصياً لا أعرف إذا كنا على هذا القدر من الجاذبية. أحب كوكبنا، ولكن من المضحك أن الافتراض الأساس يقول إن الجميع سيأتون على الفور ويتحدثون إلينا.
أعتقد أننا إذ نحاول العثور على حياة أو كواكب أخرى شبيهة بالأرض، كل ما نتعلمه هناك يساعدنا في الحقيقة على فهم كوكبنا الموجود هنا وحمايته بشكل أفضل.
عندما أعود إلى المنزل بعد العمل، أشاهد التلفزيون أحياناً واستمتع فعلاً بسلسلتي “ستار تريك” الجديدة Star Trek و”ستارغيت” Stargate. في إحدى الحلقات مرت المركبة الفضائية عبر المجرة بحثاً عن كواكب أخرى.
كانوا يقفون على الجسر ويقولون إنهم قد سجلوا تواً طيف الضوء ينبعث من هذا الكوكب، وإن في استطاعتهم رؤية الأوكسجين والميثان والماء. واتصل بي أحد أصدقائي ليخبرني أنهم رأوني واقفة على الجسر للتو. فقلت: أريد أن أكون هناك. أريد أن أقف على ذلك الجسر.
هل في ظني أننا سنكتشف كوكباً يأوي حياة خلال فترة حياتنا؟ لهذا السبب تحديداً لا آلو جهداً في هذا المشروع، إذ أحاول تحقيق هذه الغاية. وعلماء كثر أيضاً يحذون هذا الحذو.
لدى الناس آمال كبيرة في أن ما نجده مع المنظومة الكوكبية “ترابيست-1” من شأنه أن يدل على شيء ما أو يحمل أهمية ما، ويكون في الواقع أول مؤشر على وجود كيمياء حيوية مثيرة للاهتمام ربما تشير إلى وجود حياة [عند أطراف الكون] أو لا تشير. ولكن الإثارة حاضرة، وللمرة الأولى، الأداة المطلوبة، أي المقدرة، بين أيدينا أيضاً.
أما المفاجأة الكبرى فستكون إذا خرجنا في نهاية المطاف [من عمليات الرصد والبعثات كافة] خالي الوفاض دونما أن نجد شيئاً.
تحدثت الدكتورة ليزا كالتينيغر إلى أليكس هانافورد
الدكتورة ليزا كالتينيغر تتولى منصب المدير المؤسس لـ”معهد كارل ساغان” في “جامعة كورنيل” الأميركية. صدر لها كتاب جديد بعنوان “كواكب أرضية فضائية: صيد الكواكب في الكون” Alien Earths: Planet Hunting in the Cosmos.
المصدر: عربية The Independent