هل جو بايدن بصحة تسمح له بالترشح لولاية رئاسية ثانية؟
سؤال يشغل بال الأميركيين قبيل أسابيع قليلة من انتخابات رئاسية تشهد سباقاً محتدماً بين الرئيس الديمقراطي (81 سنة)، والذي يثير وضعه الصحي شكوكاً جمة، والمنافس الجمهوري دونالد ترمب (78 سنة).
وعلى رغم الضغوط التي يتعرض لها والدعوات الصادرة من داخل حزبه للتنحي، فإن بايدن يصر على أنه بصحة ممتازة ويتمسك بترشحه للرئاسة، لكن ماذا يقول التاريخ والعلم والمنطق عن الخرف؟
سؤال حاولت مجلة “ذي إيكونيميست” الإجابة عنه في تقرير نشر في الثالث من يوليو (تموز) الجاري بعنوان “الخرف في المناصب العليا”. تسترجع المجلة تجارب بعض القادة السياسيين ومنهم رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، الذي تعرض عام 1953 لسكتة دماغية بعد العشاء. ويقول المؤرخ أندرو روبرتس “لم يتنبه أحد لكلامه غير الواضح واهتزاز قدميه، وهي إحدى مزايا أن تكون لديك سمعة الاستمتاع بالكحول”. إثر ذلك ولمدى أسابيع، كان صهره ومساعده الخاص من يديران البلاد فعلياً. وعلى رغم عدم تعافيه تماماً رفض تشرشل الاستقالة حتى عام 1955، حين أصبح في الـ80 من عمره. وكان قد كتب عنه هارولد ماكميلان (الذي أصبح لاحقاً رئيساً لوزراء بريطانيا) عام 1954 “تشرشل حالياً صامت في الغالب خلال جلسات مجلس الوزراء، من حين لآخر يتحدث بلا هدف”.
وتقول “ذي إيكونيميست” إنه بسبب الطاقة والقدرة على التحمل التي يتطلبها العمل السياسي والوصول إلى أعلى السلطة، يعد كثير من السياسيين الناجحين بمثابة “كبار السن الاستثنائيين” (superagers)، وهو مصطلح يشير إلى كبار السن الذين يحافظون على لياقة بدنية وعقلية أكثر من المعدل في سن متقدمة، وقد وجد باحثون في “مركز ميسولام” التابع لـ”جامعة نورثوسترن” الأميركية قرب شيكاغو أن أدمغة هؤلاء “كبار السن الاستثنائيين” الذين عرفوا بأنهم أشخاص يبلغون 80 سنة أو أكثر ويكون أداؤهم في اختبارات الذاكرة على قدم المساواة مع أولئك الذين يصغرونهم بعقدين أو ثلاثة عقود، تتقلص بصورة أبطأ مع تقدمهم في السن مقارنة بأقرانهم العاديين بـ1.1 في المئة سنوياً، بدلاً من 2.2 في المئة.
وتوضح “ذي إيكونيميست” أن سماكة القشرة الحزامية لدى “كبار السن الاستثنائيين”، وهي جزء من الدماغ مهم للذاكرة والانتباه والتحكم الإدراكي والتحفيز، تبقى مماثلة لشخص في منتصف العمر، وأن كثافة خلايا “فون إيكونومو” لديهم، وهي خلايا دماغية مرتبطة بالذكاء الاجتماعي والوعي، تفوق تلك الموجودة لدى شخص عادي في منتصف العمر، كما يبدو أن لديهم كميات أقل من التشابكات البروتينية المرتبطة بمرض ألزهايمر مقارنة مع أقرانهم.
لكن على رغم ذلك فإن المناصب العليا تكبد حائزيها أثماناً باهظة، حتى أن “كبار السن الاستثنائيين” يتدهورون في نهاية المطاف، لكن المشكلة هي أنهم غالباً ما يرفضون قبول الأمر.
وتقول “ذي إيكونيميست” إن المقربين منهم والذين تعتمد وظائفهم على بقاء الرئيس في منصبه، يرفضون بدورهم الاعتراف بالحقيقة، وفي هذا السياق تشير المجلة إلى إخفاء حقيقة الوضع الصحي لرئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل عن الشعب بعدما تعرض لأزمة صحية عام 1953 جعلته عاجزاً عن الحكم، لكنه أصر على البقاء في منصبه ولم يتخل عنه إلا عام 1955 حين أصبح في الـ80 من عمره، وأصبح شبه عاجز عن الكلام.
وبحسب المجلة فإن الإنكار والخداع يبرزان خصوصاً في الأنظمة الديكتاتورية، إذ يخشى مساعدو الحاكم وبخاصة إن كان لا يزال ممسكاً بالسلطة، من أن يخبروه بأن قدراته الذهنية تتراجع، أما إذا كان فقد قبضته على الحكم فسيستغل مساعدوه فرصهم لممارسة السلطة بأنفسهم من خلال التحكم في الوصول إلى العرش، وهذا ما حصل مع زعيم الاتحاد السوفياتي بين عامي 1964 و1982 ليونيد بريجنيف الذي تعرض لسكتات متتالية منتصف السبعينيات جعلته بالكاد متماسكاً، لكن معاونيه أبقوه في منصبه حتى وفاته. ويقول المؤرخ ستيفن كوتكين “حتى بعد أن بدأ لعابه يسيل عليه أثناء ظهوره على التلفزيون السوفياتي، لم تتخذ الزمرة المحيطة به أي إجراء سوى ترشيحه لنيل مزيد من الميداليات”. ودافع هؤلاء كان الأنانية، إذ كان كل منهم يفعل ما يحلو له في وزارته من دون حسيب أو رقيب، وفي نهاية المطاف فقد الاتحاد السوفياتي تخطيطه الاستراتيجي وتخبط جيشه في أفغانستان حتى انهار الاتحاد.
هذا الأمر ما زال يحصل في ديكتاتوريات اليوم، إذ يعتقد أن من يتحكم بزعيم الكاميرون بول بيا البالغ من العمر 91 سنة والذي بالكاد يستطيع قراءة خطاب، هي زوجته. وفي الجزائر أيضاً وحتى عام 2019 ظل كبار السياسيين يدعمون الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة الذي أصبح أسير كرسي متحرك وفي حال صحية هشة إثر جلطة دماغية، مستغلين ذلك لتقاسم السلطة فيما بينهم. أما في مالاوي، فأخفى الحزب الحاكم عام 2012 وفاة الرئيس وتظاهر بأنه ما زال على قيد الحياة بينما كان الطامعون يتنافسون على المناصب والسلطة.
لكن الخداع وإخفاء الحقيقة في شأن خرف الرئيس أو صاحب المنصب الأعلى يصبح أصعب في الأنظمة الديمقراطية، إذ إن وسائل الإعلام فضولية، إذ تخضع الأنظمة البرلمانية رئيس الوزراء لمساءلات منتظمة.
وتقول “ذي إيكونيميست” إن مساعدي بايدن يحاولون إبعاده من النشاطات والمقابلات غير المخطط لها، لكن حتى لو استمروا في القيام بذلك فإن مقاطع الفيديو من مناظرته الكارثية في وجه ترمب ستظل موجودة، وتضيف المجلة أنه “قد لا يفهم الناخبون الفروق الدقيقة في السياسة المالية أو الخارجية، لكن معظمهم شهدوا الشيخوخة من قرب ويفهمون أنها عملية باتجاه واحد”.
وإبان الحملة الانتخابية الرئاسية عام 2020 قيم اختصاصي طب الشيخوخة في جامعة إلينوي جاي أولشانسكي مع مجموعة من الزملاء الوضع الصحي لكل من بايدن وترمب بناء على المعلومات التي زودوا بها حينها، وتوقعوا أن فرص بقاء الرجلين على قيد الحياة خلال الفترة الرئاسية التي كانا يسعيان إليها تتجاوز 90 في المئة أما اليوم فيتحفظ الدكتور أولشانسكي عن تقييم وضع بايدن، موضحاً أنه تلقى سجلات طبية محدثة عن وضع الرئيس لكنه يحتاج إلى سماع مزيد من طبيب بايدن بعد المناظرة مع ترمب، قبل أن يصدر أي تقدير جديد في شأن الوضع الصحي للرئيس.
وفي النهاية جميعنا سيشيخ ومعظمنا سيعاني تراجع قدراته الإدراكية في مأساة ستكون في الغالب خاصة، لكن عندما يتعلق الأمر بالقادة السياسيين فإن “الضرر قد يكون كارثياً”، وبحسب “ذي إيكونيميست” فإن بعض المؤرخين يلقي اللوم في تعيين رئيس ألمانيا باول فون هيندنبرغ عام 1933 لأدولف هتلر مستشاراً، على أنه كان يبلغ من العمر 85 سنة، وكان منهكاً وربما يعاني مرض ألزهايمر.
المصدر : عربية Independent