سبع نجيب واكيم …آخر الكبار .. رحمه الله
توفي صباح اليوم والد الزميلة الاعلامية ريتا واكيم السيد سبع نجيب واكيم وهو من كبار رجال الاعمال المقاولين في المتن ، تاركاً بصمته وسجلا حافلاً بالمشاريع الانمائية والاسكانية في بلدته المتنية المنصورية، الاحب الى قلبه والتي ولد وترعرع فيها وعشق ترابها حتى اخر نفس ولم يفارقها الا اليوم حاملا طيب الاثر .هو المعروف بأبو ميشال من قبل ان يتزوج ويرزقه الله خمسة ابناء صبيين وثلاث بنات تمتعن بجمال الخلْق والخُلق كبيرهم ميشال وهكذا اصبح السبع رسميا ابو ميشال .
عاش حياته نشيطاً لا يكل ولا يتعب ، مكافحاً ومثابراً على النجاح تماما كما اوصاه والده ابو نايف ووالدته جميلة جميلات المنصورية : جميلة المعروفة بأم نايف . غصت كنيسة السيدة للروم الارثوذكس في المنصورية بأهالي البلدة والاقارب الذين توافدوا لوداع ابو ميشال الذي احبوه واحترموه لحكمته ودماثة اخلاقه كيف لا وهو السبع اسم على مسمى سليل عائلة واكيم المعروفة في البلدة ، فقد مّن عليه الله بالطول الفارع وبالوسامة كممثلي السينما المعروفين في تلك الحقبة منهم الممثل رشدي اباظة . ورث عن ابيه حب الارض ، حيث كان يتنفس ترابها ، فزرعها بما لذ وطاب من الاشجار المثمرة والخضار على انواعها وكانت ” ايدو خضرة ” واحب الطبيعة التي كانت المتنفس الوحيد له من ضغوطات العمل ، استمد منها الصحة و الايجابية في الحياة . لطالما كان مميزا بحكاياته الطريفة والتي كان يرويها بحسه للدعابة ليستمد منها السامعون العِبَر . باركه الله بالعمر المديد (٩٠ عاما”) شهد خلالها ولادة احفاد اولاده مما يعني معاصرته اربع اجيال تحلى خلالها بالايمان والصبر صفات ساعدته على استيعاب وتحمل المأساة التي حلّت بعائلته من ثلاث سنوات وخسارته الفادحة لزوجته الرائعة نوال وابنه الشاب الخلوق ريشار وحفيده الاستشاري العقاري المتألق رودولف انطون بفيروس كورونا .
وقتها كتب عنه جاره ابن المنصورية رجل الاعمال وتاجر الاخشاب المعروف جوزف حاموش الذي برغم تواجده في المهجر من سنوات طويلة الا انه لم يتوانى عن سرد بأسلوبه المحبب وقلمه الرشيق مآثر اهل البلدة بعد مماتهم او خلال حياتهم عبر صفحته على فيسبوك “المنصورية …بوابة المتن ” ووهذا ما كتبه عن الفقيد الكبير :
احتاج الحوامشة عبر نضالهم فوق هذه الهضبه الى عدد لا بأس به من السباع كي تحمي “أرض الديار”.
اكتفى الحجاجنه بسبع واحد ليشعروا بالأمن و ينعموا بالسكينه!
فإذا شكّل الثنائي الراحل ايليا و جان جريس واكيم جناح الحمائم بين اليواكمه، فلا شكّ في تفرّد سبع واكيم الطويل القامه و العمر، كرأس رمح في جناح صقور العائله!
أنوّه في هذه الالتفاته المؤثره، بعد الفواجع المتتاليه التي حلّت مؤخّراً بعائلة سبع الحي الغربي من ضيعتنا، بتاريخ أخيه الراحل سجيع، الذي كلّما تأملتُ مليّاً بسجلّ كفاحه، احترم تعلقّه العميق بالجذور، و دعم الست كامله، ام منير رحمه الله، له في ذلك. لَمْ يكتفِ بتسمية ابنه الثاني جميل تيمّناً باسم المرأة الحديديه امه، جميله، أم نايف. ليندفعَ قُدُماً لتسمية احد ابنائه نجيب مستعيداً اسم والده، ثمّ ولده الذي فُجع مؤخّراً في كندا بخساره مبكره لزوجته، إبرهيم، مستعيداً اسم جدّه، و أخيراً و ليس آخراً ابنه العصامي واكيم استمراراً لاسم جدّ العائله الواكيميه الكبيره، التي دمغتْ تاريخ الحجاجنه المعاصر بوميض الصواعق و المآثرِ و المآسي!!
أنعم الله على أهل “ابو ميشال”، نجيب و جميله، بأربعة ذكور و خمس بنات كي تبدو العائله أشبه بفريق كامل للعبة كرة القدم!
و إذا اعتبرنا جميعنا مدى حياتنا أشبه بملعب لكرة القدم، أرى نفسي حارس مرمى حيث أفنيتُ عمري في محاولة صدّ أهداف ذوي القُرْبى، فيما أرى العزيز أبا ميشال قلب خط الوسط و محرّك اللعبة الأساسي، موزّع و صانع الأهداف الرئيسي، الذي و في سبيل تحقيق أهداف الحياة يستقطب عند الاضطرار جمهور المشاهدين معه الى وسط الملعب، و عند الضروره القصوى لا يتردد في الاستعانه بلاعبين طارئين مُستقدمين من خارج الحدود!
في جلساتنا الحميمه سوية، كما يظهر في الصوره أدناه، ذكّرته مراراً بما قاله الله لإبراهيم الخليل: “اسمع لصوت امرأتك”، ظنّاً منّي ان من يرزقه الله زوجه بصفات نوال اميل رزق، يستعيض بوجودها عن كل أملاك الدنيا، مكتفياً بمشورتها الحكيمه، ليسدّ أذنيه عن كل مصادر التحريض!
ذروة ذكرياتي برفقته حدثتْ عندما عقدنا العزم على استثمار محلاته لصنع الحلويات و الخبز، رجل الأعمال و الصنائع المختلفه الشهير بطرس بطرس(أبو ناجي)، و المقاول ابو ميشال و أنا كأمين صندوق و محاسب، و عند الضروره القصوى تحت وابل قذائف الكاتيوشا، فجر كل يوم، أخلد للنوم قرب مولّد الكهرباء ذو الهدير الذي يصمّ الآذان، حيث أشعرني بذروة الأمان تحت هول ضربات الصواريخ الروسية الصنع!
عندما واجهتنا معضلة التهديد بالهجوم المباشر من قبل الجيش اللبناني المنشقّ بقيادة الرائد أحمد الخطيب، و المسمّى يومها، جيش لبنان العربي، حين هددّ باقتحام المنصوريه عن طريق مونتي فردى لوصل المتن الأعلى بمخيّم تل الزعتر منعاً لسقوطه بيد الميليشيات المسيحيه المدعومه من وزير الداخليه، الرئيس الأسبق كميل شمعون، هدّأتُ من روع ابي ميشال باقتراح تعليق يافطه كبيره على واجهة محلاته لنكتب عليها: “خبز لبنان العربي”، حيث سيشعر الضابط الفار و المنشقّ، ان المنصوريه تزايد عليه بعروبة منتوجاتها!
و عندما امتزج عجين الفرن بشظايا الزجاج المنثور جرّاء اتساع حدّة القصف الليلي المتواصل، امتنعنا عن زيادة سعر ربطة الخبز المنتجه تحت خطر تعريض حياتنا لخطر الموت، معتذرين سلفاً من الزبائن لإمكانية وجود بعض نتف الزجاج المجّانيه في بعض الأرغفه !
ذروة كرم ابو ميشال تجلّتْ عندما اقترح تخصيص نهار بكامله لتحضير فطائر البيتزا و توزيعها مجاناً على الداخلين لمشاركتنا تلك الحفلة حيث شكّل نبيذ روزي توريل، الماركه التي وزعتها في المنطقه برفقة الياس ألفريد فرنسيس ابن الاسكندريه البار، المشروب الرئيسي في تلك الحفلة التي لا تنسى!
يعوزني الكثير من حبر القلب لأصف معاناة سبع الحي الغربي من بلدتنا. و قَدْ تمتلئ السواقي و الجداول و مجاري الأنهار المحيطه، بفيض دموعنا.
آهٍ يا ابا ميشال من فواجع هذا الدهر الظالم! لا نغالي اذا دعوناك “أيوّب العصر”، و نتوسّل اقتراب فجر جديد خالٍ من الفواجع و الأوبئة، لتجمع شمل العائله من جديد تحت عباءتك في حفلة مثيرة، تكون عائلة جارك الراحل ايليا اسبيريدون إحدى ضيوف شرفها!
توقّف قلبه المثقل بالأحزان صباح الخميس ٧/ ٣/ ٢٠٢٤
”و أرض من سقطوا و العزُّ رائدهمْ لا ينبتُ الزهْرُ إنْ لَمْ يسقطِ المطرُ” !!!
أسرة موقع Upndownbeirut تتقدم بأحر التعازي لرئيسة التحرير السيدة ريتاواكيم بوفاة والدها سائلين الله أن يتغمده برحمته الواسعة