افتتح المركز الدولي لعلوم الانسان – اليونيسكو Cish، في مقره في جبيل، المؤتمر الاقليمي البيئي بعنوان “نظرة مستقبلية في البيئة وحكم القانون”، برعاية وحضور وزير البيئة في حكومة تصريف الاعمال الدكتور ناصر ياسين .
في جلسةالافتتاح ،شارك الدكتور فواز كبارة ممثلا وزير الثقافة في حكومة تصريف الاعمال القاضي محمد وسام المرتضى، السفيرة مارسيا كوفاروبياس، النائب مارك ضو، قائمقام جبيل نتالي مرعي الخوري، قنصل تشيلي ريكاردو أرافينا،قائد كلية فؤاد شهاب للقيادة والاركان العميد الركن حسن جوني، الدكتورة ليال بركات وأعضاء مجلس ادارة المركز الدولي لعلوم الانسان، مدير برنامج حكم القانون للشرق الاوسط وشمال أفريقيا لمؤسسة “كونراد اديناور” فيليب بريمير، الدكتور رياض فخري ممثلا رئيس الـ chair يونسكو في القانون البيئي والتنمية المستدامة في جامعة حمد بن خليفة في دولة قطر، الرئيس السابق لبلدية جبيل الدكتور جوزف الشامي، رئيس دير مار يوحنا مرقس جبيل الاب سيمون عبود ، وفاعليات ومثقفون.
المرتضى
بعد النشيد الوطني،ورفع الستارة عن المجسّم البيئي في حديقة المركز على أسوار المدينة القديمة وهو شاهد على تحويل المركز الى أول بناء تراثي صديق للبيئة ، كلمة عريفة الحفل الآنسة ڤانيسا صفير من ثم عرض فيلم وثائقي عن مراحل تأسيس المركز والنجاحات الذي حققها، تخللته كلمة متلفزة للوزير المرتضى اكد فيها ان “لبنان كان وسيبقى البلد الاجمل على وجه الارض على رغم الصعاب التي تمر علينا بسبب هويتنا الثقافية المميزة جدا وايضا بوجود مؤسسات وافراد يؤدون دورا مهما على مستوى حفظ الموروث والبناء عليه، واحدى هذه المؤسسات المركز الدولي لعلوم الانسان – اليونيسكو في جبيل”. ووجّه تحية تقدير الى رئيسة المركز والاعضاء، منوها بان “الجهود التي يبذلها مسجّلة في وجدان وزارة الثقافة، والاهم ان هذه الجهود ملموسة ومقدرة بقوة لدى جهات خارجية ايضا معنية بالثقافة واهمها اليونسكو”.
ابي شديد
واعتبرت د. دارينا صليبا ابي شديد ان “المجسّم الذي دشناه يُلزمُنا وَيلتزمُ ان تكونَ جُبيل كما عَهَدناها رائدة”، مشيرة الى انه مَن منا لا يدركُ أهمية موقع مدخل المدينة القديمة على أسوار قلعة الحضارات المتعاقبة، عهدُنا تحفيزُ كل مواطن ومسؤول للحفاظ على البيئة، ووعدُنا بالمثابرة بهدف ترميم مداميك وطن لا تَليقُ بهِ إلّا القِمم”.
واضافت: “بعيداً من الحرف وبيبلوس والأرجوان والملوك، تبقى حكايةُ ابن ملك جبيل الذي أحب ملكةَ إلهٍه أسمُها (بروث Broth) ، ولكي يخلّد حُبّه للإلهة البالغة الجمال، بنى على اسمها مدينةً سمّاها بروث اي بيروت ، ولها من القلب ومن الحضور ألف تحية وأطيب سلام”.
ووجهت الشكر الى مؤسسة “كونراد ادناور” الداعمة الدائمة لنشاطاتنا”، وقالت: “ماذا عساي أقول لمؤسسة تدعم نشاطاتنا بثقة متبادلة وشفافية في التعامل، مؤسسة كونراد اديناور معاً لمزيد من النجاح”.
وأضافت: “نهتمّ بقوانين كثيرة والمطلوب واحد، لبنان بأرزه وإنسانه، ببحره وسمائه، بشبابه وأطفاله هو الهاجس وكل الحقيقة فكما في الاقتصاد كذلك في السياسة ومهما وصّفنا، يبقى الداء واضحا، الفساد والفساد، في السياسة قد نعوّضُ ولو بعدَ حين، وفي الاقتصاد قد يتعافى اقتصادُنا، ويأتي العزُّ بعد الفاقة، لكن هل منكم لا يعرفُ قول أبو شبكَة: ما قيمةُ المالِ والدنيا اذا انكمشَت هذه السهول وشحَّت هذه الهِضَب؟ فالمعادلة بسيطة : البيئةُ اولاً والبيئة ثانياً وثالثاً والا، تندثرُ الحضارات”.
وتابعت: “دراسة الأثر البيئي لمحاضرات اليوم ستكونُ أكثر من إيجابية، وسنضيء اليوم على طريقة تعميقِ الإحساس بأهمية البيئة أساسا في عملية التنمية المستدامة للمجتمع، وطريقة التوفيق بين التنمية وسلامة البيئة”.
ورأت ان “حق الدولة وواجبها أن تنمّي الوعي البيئي عند المواطنين من خلال إطلاعهم على مدى ارتباط البيئة بالمجتمع وأثرِها في تطورِه وانمائه، فالمحافظة على البيئة والمساهمة في حمايتها من التلوث باتَ واجباً مقدساً ، والسلوكيات البيئية يجبُ أن تُصبحَ عفويةً ومن البديهيات، نتيجةَ تعميمِ الثقافةِ البيئية ، فهذه السلوكيات البيئية، بالاضافة الى القوانين، يجبُ أن تشكّل رادعاً لكل مواطن يُبدّي مصلحتَهُ الخاصة على مصلحةِ الوطن لما نشهدُه اليوم في وطننا الحبيب من تدميرِ منهجي لثرواتنا البيئية”.
وأكدت أنَّ “اعتمادَ التنمية البشرية المستدامة التي تَعتبرُ الإنسانَ حاضراً ومستقبلاً محورها، والنمو الاقتصادي النوعي المتوازن الذي يحافظُ على رأس المال الطبيعي، هما الضامنان للمحافظة على بيئةِ وطن يتميزُ بتنوع طبيعته ومناخاته ووفرة مياهه، مما يجعلُهُ موطناً يتمتع بتنوُّع الأيكولوجية الغنية بالكائنات الحية والمتعددة”.
وختمت : “سَنُضيءُ عتمةَ هذا الواقع، ولن نكتفيَ بإقرار قانون حماية البيئة، هذا السراج الذي يجب أن يوضع على المنارة ، منارة الثقافة والعلم والجدية والمثابرة، لعلّ وعسى لا نكرّرَ معاناةَ سيزيف Sisyphe ، فنُقرُّ القوانينَ من دون تطبيقِها”.
بريمر
بدوره، بريمر شدّد على “اهمية البيئة اليوم في عالمنا في ظل ما نعيشه من ازمات ولاسيما على الصعيد المناخي”، منوها بـ”الدور والنشاطات التي يقوم بها مركز اليونيسكو في جبيل من نشاطات على هذا الصعيد وغيره”.
فخري
وذكّر فخري بأن لبنان “علمنا في هذا العالم معنى الصمود امام مختلف الازمات متحدثا عن المشاريع والنشاطات التي تقوم بها الجمعية منذ تأسسيها حتى اليوم على مختلف الاصعدة البيئية متمنيا النجاح للمؤتمر وللمركز في كل ما يقوم به من ندوات”.
ياسين
واشار الوزير ياسين، في مستهل كلمته، الى ان “الآتي الى مدينة جبيل لا يشعر فقط بعمق الحضارة والتاريخ، ولكن الامل في المستقبل عندما رأيت ما يقوم به المركز من مشاريع وبرامج ومحاضرات”، رئيسته الدكتورة دارينا صليبا ابي شديد على قيادة هذا المركز الذي هو جمرة مضيئة في لبنان ، وافضل ما قام به المؤسسون الاوائل انهم وضعوا هذا المركز في هذه المدينة العريقة”.
وسرد ما حصل في 7 حزيران الماضي، قائلا: “في ذلك اليوم تلقيت اتصالا من وزير الثقافة وبعض سكان المنطقة عن اندلاع حريق في اكبر غابة للسنديان البري في لبنان، وعلى الارجح في الشرق الاوسط في بلدة بطرماز في قضاء الضنية في شمال لبنان، فاستنفرت كل الاجهزة المعنية من وحدة ادارة الكوارث والدفاع المدني ومركز حماية الاحراج واتحاد البلديات والحركات والجمعيات البيئية، ولاحقا سلاح الطيران في الجيش اللبناني، وبفضل سرعة التحرك استطعنا السيطرة على الارض على الحريق وتفادي كارثة بيئية كبرى في اكبر غابة في لبنان، كما حدث في الاعوام الماضية في الحكومة السابقة ولا الومها حيث حريق واحد في عكار اتى على 1500 هكتار وهو اكبر حريق في تاريخ لبنان”.
واضاف : بالطبع الحريق في اوائل الصيف هو من تأثيرات التغيرات المناخي الذي نعيشه واحوال الطقس المتطرقة التي اصبحت تكرارا وبتنا نشهدها بشكل اكثر في السنوات الماضية ، ولكن اذا نظرنا بدقة الى هذا الحريق ومسبباته لوجدنا ان العوامل الايكولوجية المباشرة هي حقيقية، ولكن هناك عوامل ابعد من ذلك يمكن تلخيصها بثلاثة واسباب هي قضايا في سبب التدهور البيئي في لبنان.
اولا : غياب سيادة القانون، ففي الحريق المذكور جزم المحققون انه مفتعل وشاهدنا صورا للدقائق الاولى تظهر اشتعاله في 3 مواقع تبعد مئات الامتار في خط واحد في الوقت نفسه مما يرجح نظرية التعمد، اذا نحن امام جريمة واضحة فطلبنا التحقيق، واخبرت المدعي العام البيئي، لكن التحقيق لم يصل الى نتيجة كمعظم الجرائم البيئية في لبنان التي ستبقى معلقة ولا تحسم لناحية انقاذ القوانين مثل قضم الجبال، تلويث الانهر، انبعاث السموم في الهواء او غيرها من القضايا، وهي ليست قضايا تقنية او فنية او ادارية فقط، وجلها من عدم تطبيق القوانين.
هل كل الحرائق التي تحصل في لبنان ومعروف انها متعمدة لم نستطع القبض او معرفة من وراءها، ولم نحقق مع اي شخص لمعرفة هل ان السبب متعمدا او بسبب الاهمال ؟ مؤكدا ان هذا يدل علىان هناك مشكلة في غياب سيادة القانون ليس فقط بما يتعلق بحماية الغابات، بل في كل القضايا البيئية .
ثانيا : ضعف المؤسسات وتنامي الاستحواذ واغتنام الموارد بغير حق، فالغابة الاكبر في لبنان والشرق الاوسط تقع فريسة اغتنام ومحاولة الاستحواذ على الاراضي ومواردها من حطب ورعي للمواشي وموارد اخرى. اذا نحن امام نظام ، اذا استطعنا تسميته بنظام يستمد شرعبته من الروابط الاولية وكذلك من القوة المباشرة التي تناقض مفهوم الدولة الجامع، دولة المواطنة والاهم دولة المؤسسات ، وهنا لا بد من التمييز بين احترام النظام العرفي وادارة الموارد المتوارث محليا كمؤسسات غير رسمية وبين مفهوم الاغتنام واستخدام القوة والتقاليد للاستحواذ على موارد المياه ، وهذا يدل على اننا امام استضعاف المؤسسات .
هذا الذي حرق الاشجار للحصول على الحطب وغيره اراد بذلك الاستحواذ على الارض لان المؤسسات التي هي جوهر الحكم ضعيفة في هذا البلد .
ثالثا : غياب العدالة البيئية، اذ ان ما يحدث وحدث في تلك الغابة لا يجب ان يخفي الاهمال المقصود والمتوارث عبر العقود في هذه المنطقة الاكثر فقرا في لبنان ومناطق اخرى في الاطراف حيث تتمركز الانتهاكات البيئية في جغرافيا الفقر والحرمان، حيث هناك تلازم بين جغرافيا الفقر والانتهاكات البيئية، وهنا الربط مهم بين تطبيق الحوكمة البيئية بكل متفرعاتها وتحقيق العدالة البيئية”.
واكد ان “تحقيق هذا الشيء هو الذي يبني الثقة المفقودة بين الدولة والمواطن”، وقال: “في كل مرة نقوم بأي مشروع يتعلق بأي قضية بيئية، نرى ان الثقة مفقودة بسبب غياب العدالة البيئية وهذا الغياب هو اساس هذه الحوكمة المفقودة في كل المواضيع البيئية”.
واشار الى ان “معظم المشاكل البيئية” التي خبرها في الوزارة “هي نتيجة لضعف المؤسسات وعدم تحقيق العدالة البيئية والاجتماعية وغياب سيادة القانون وتطبيقه”، داعيا الى “وضع الاصبع على الجرح الحقيقي، فاذا كنا نريد حقيقة ان ننجح فعلينا ان نضع كل عملنا ونشاطنا في بناء مؤسسات قوية، فالعدلية ليست بخير ، وان لم يكن العدل بخير يتعطل كل شيء، واذا كان القضاء معتكفا لا شيء يمشي في البلد مهما تغيرت حكومات مع الاحترام لكل التغيير الحاصل، فالقانون والعدالة هما الاساس والجرح الحقيقي في البلد هو ان العدلية ليست بخير”.
وشدد على ان “وزارة البيئة لم تتردد في تطوير القوانين البيئية وآليات تنفيذها وتحقيقها بالتعاون مع خبراء وقضاة وناشطين ووضعت توصيات عدة اهمها تطبيق القانون بتخصيص قضاة ومحامين عامين متفرغين، وكذلك تتبنى الوزارة مفهوم التشاركية مع المواطنين لمناقشة الحلول البيئية من اجل بناء الثقة المفقودة بين الدولة والمواطنين والشروع في تعزيز لامركزية موسعة في ادارة القضايا البيئية”، لافتا الى ان “هذا العمل اصلاحي وبالغ الاهمية في حماية البيئة واحترام الانظمة واعتبار الجرائم البيئية جرائم مستمرة ومتمادية، والاصلاح يبدأ من هنا”.
وختم: “إن هذا المؤتمر باهدافه ومحاضراته واقسامه هو في صميم العمل الجدي لحماية البيئة وصحة الناس، واتطلع الى قراءة ما سيصدر من توصيات لأنه اذا اردنا اصلاحا جديا فيجب ان يكون عبر القانون البيئي”.
المحاضرات والنقاش:
وبعدها بدأت ٣ مراحل من المحاضرات، أدارتها الاعلامية ميراي عقيقي محفوظ ، الجلسة الاولى تحت عنوان :تطوير الادوات القانونية،أولوية كبرى لحماية البيئة التي ضمّت البروفيسور رياض فخري من المغرب والقاضي إياد بردان من لبنان والبروفيسور هيلاري بيل القادمة من قطر.أما الجلسة الثانية:التحديات الاساسية للقانون البيئي من رؤية حقوق الانسان التي ضمّت د.جنان بستاكي القادمة من الامارات المتحدة والصحافي المتخصص بالبيئة حبيب معلوف ود.جاك ويليمز.و الجلسة الثالثة حملت عنوان التفكير في قضايا البيئة جغرافيًا:وجهات نظر الشرق الاوسط مع المحامية كريستينا أبي حيدر من لبنان،د.عمر الخطيبة من الجزائر ود. زينا منير من مصر واختتم المؤتمر بتوصيات عدة.