يبدو أنّ الخطّة الثلاثيّة لأزمة الكهرباء، لن تكون ثمرتها عودة تغطية الطاقة إلى سابق عهدها، فالمرحلة الأولى والمتمثّلة باستبدال 84 ألف طنّ من الفيول العراقيّ بـ30 ألف طنّ من الفيول “grade B”، و33 ألف طنّ من “الغاز أويل”، لن تؤمّن سوى 54.5 % من حاجة مؤسّسة #كهرباء لبنان الشهريّة لإنتاج 800 ميغاوات، وتاليًا، في انتظار الحلول الموقّتة التي بدأت بمساعٍ أميركيّة لحلّ #أزمة الطاقة، سيكون لبنان في حاجة إلى مناقصة إضافيّة لشراء الفيول المدعوم لزوم مؤسسة “كهرباء لبنان”.
بالنسبة إلى أوساط المؤسّسة، فإنّ لدى “كهرباء لبنان” أموالًا بالليرة اللبنانيّة، ولا يمكنها اللجوء إلى السوق السوداء لشراء الورقة الخضراء، “فالمصرف المركزيّ هو الجهة التي تحوّل للمؤسّسات العامّة أموالها من الليرة إلى الدولار، وفق سعر الصرف الرسميّ”. لكن في هذه المرحلة التي ستشهد تغيّرات اقتصاديّة جذريّة، ومع ترّقب بدء حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التفاوض مع صندوق النقد الدوليّ، سيكون سعر الصرف أحد أبرز الملفّات المطروحة. وإذا كانت أموال مؤسّسة الكهرباء المعلّقة الآن ستخسر جزءًا هامًّا من قيمتها، بعد تعديل سياسة تثبيت سعر الصرف، تمامًا كما خسرت مدّخرات اللبنانيين بالدولار الكثير من قيمتها جرّاء تطبيق التعاميم، فإنّ تعديل سعر الصرف الرسميّ سيكون له انعكاسٌ هامٌّ على حسابات “كهرباء لبنان”.
إلى ذلك شرحت أوساط المؤسّسة لـ”النهار” أنّ “كهرباء لبنان تحتاج إلى 110 آلاف طنّ من الفيول والمازوت شهريًّا لإنتاج 800 ميغاوات من الطاقة الكهربائيّة. ستحصل على 60 ألف طنّ من الفيول المستبدل لقاء كميّة من الفيول العراقيّ، وتاليًا يبقى على مؤسسة الكهرباء تأمين 50 ألف طنّ من الوقود لتشغيل المعامل وإنتاج الكميّة عينها من الكهرباء (800 ميغاوات)”، مضيفة أنّه إلى حين وصول #الغاز المصريّ، يجب تأمين 50 ألف طنّ فيول”. وتابعت الأوساط أنّ “الكميّات المستبدلة وحدها غير كافية، كونها تشكّل 25 إلى 30 % من حاجة لبنان”.
أمّا الآن فتضغط مؤسسة الكهرباء على مخزونها المتبقّي من الفيول، الذي بات قليلًا جدًّا. وتشدّد مصادر المؤسسة على ضرورة تأمين الاعتمادات اللازمة بالدولار الأميركيّ لاستيراد الـ50 ألف طنّ من الفيول، حتّى يصبح لدى المؤسسة مخزون لشهر، يحتوي على 110 آلاف طنّ من الفيول لانتاج الـ800 ميغاوات.
فيما يتعلّق بالغاز المصريّ والكهرباء الأردنيّة ضمن الخطّة التي تدعمها الولايات المتحدة الأميركيّة للحدّ من أزمة الكهرباء، وذلك عن طريق نقل الطاقة عبر الشبكة السوريّة، والغاز المصريّ عبر الخطّ العربيّ، الذي يعبر الأردن وسوريا وصولًا إلى شمال لبنان، فإنّ الشبكات تحتاج إلى صيانة، والبنية التحتيّة اللبنانيّة لا تتيح استخدام هذه الموارد بالحدّ الأقصى المطلوب. فهناك مهلة ثلاثة أسابيع للاجتماع من جديد للتأكيد على جاهزيّة خطّ الغاز العربيّ، و بالنسبة إلى نقل الكهرباء من الأردن إلى لبنان، قالت وزيرة الطاقة والثروة المعدنيّة الأردنيّة هالة زواتي في حديث تلفزيوني، أنّ الشبكة الكهربائيّة في الجانب السوريّ تضرّرت في الفترة الماضية وهي بحاجة إلى إصلاح، والجانب السوريّ قدّر الوقت اللازم لذلك، لكنّه سيأخذ بضعة أشهر قد تكون ستّةً. أمّا في الجانبين الأردنيّ واللبنانيّ فالشبكة جاهزة”. وبعد إصلاح الشبكة في سوريا سيصدّر الأردن إلى لبنان نحو 250 ميغاوات من الكهرباء.
أمام هذه المشهديّة، أكّدت المستشارة في مجال سياسات الطاقة جيسيكا عبيد لـ”النهار” أنّ “الحكومات اللبنانيّة لم تضع لديها حلًّا مستدامًا لأزمة الكهرباء في لبنان، يوفّر الطاقة بأقلّ كلفة. الأمر الذي وضعنا الآن أمام أزمة تحتاج إلى حلول سريعة، لكن في الوقت عينه مستدامة”.
لا تقتصر أزمة الطاقة اللبنانيّة على الإنتاج فحسب، لكنّ الأمر ينسحب على الكلفة المرتفعة للانتاج، وكذلك الخسائر الفنية وغير الفنية، بالإضافة إلى مشاكل في الشبكة تحتاج إلى تحسين. تخطّى الدين العام في قطاع الكهرباء الـ40 مليار دولار وذلك ابتداءً من التسعينات. يعود سبب هذا العجز إلى استخدام الفيول الثقيل و”الديزل أويل”. عندما نجمع الخسائر مع كلفة إنتاج الكهرباء، تصبح كلفة الإنتاج الإجمالية أكثر من 24 سنتاً لكلّ كيلوات/ساعة.
وأضافت عبيد أنّه “على مدى سنوات لم نبنِ معامل جديدة، ولم نرفع القدرة الانتاجية للطاقة إلّا قليلًا، وكذلك الإهدار لم يتخفّض”. وبعد إهمال البنية التحتية فإنّ “الغاز الذي سيصل من مصر إلى طرابلس ستكون وجهته محطّة دير عمار، لكن لا يمكننا إيصاله إلى بقية المحطات”، شرحت عبيد لـ”النهار” مشدّدة على أنّ “نصف الطاقة المنتجة في لبنان يمكن تحويلها إلى الغاز، لكنّ المادّة لن تصل سوى إلى محطة واحدة”. لكن رغم ذلك فإنّ الغاز المصريّ الذي سيُغذّي محطّة دير عمار وهو أقلّ كلفة من الفيول، تشير التقديرات إلى أنّه قد يوفّر سنويًّا بين 100 مليون إلى 120 مليون دولار.