مسار التعاون الإنمائي عبر نافذة الدبلوماسية الاقتصادية المفقودة

مسار التعاون الإنمائي عبر نافذة الدبلوماسية الاقتصادية المفقودة.

د. أسامة عمار كشادة

أستاذ جامعي مختص في إدارة المشاريع الدولية المشتركة

…….

تعددت مفاهيم الدبلوماسية حسب الحقب والفترات الزمنية حيث ارتبطت قديماً بالشؤون السياسية دون غيرها، أما في وقتنا المعاصر فإن الدبلوماسية تحمل العديد من المعاني والاشتقاقات وتطورت بحكم التغيرات الحاصلة، فمفهومها انتقل من المفهوم التقليدي كعملية التمثيل والتفاوض وابرام المعاهدات وعقد الاتفاقيات وفق القواعد والأعراف الدولية إلى المفهوم المعاصر للدبلوماسية وهو البراعة في تحقيق المستطاع بدلاً من الترقب ورجاء المستحيل، وهذا يتطلب قدرة ابتكارية وأدوات تنفيذية لإنجاحها؛ لأن الممارسة من خلالها تعتبر عامل مؤثر في النطاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وأصبح تطبيقاً يحتاج إلى جملة من الترتيبات والإجراءات والأدوات بقوة التغيير الفكري؛ لإمكانية التأقلم مع ممارستها بالشكل الصحيح ولن يتأتى ذلك إلا من خلال اقتناع أعلى مستوى في السلطة التنفيذية بهذه التغيرات، باعتبار أن القادة هم اللاعبون الرئيسيون في تبني المبادرات غير الاعتيادية التي تتمشى مع متطلبات العصر، حيث تتعدد المبادرات والبرامج بأنواعها وأشكالها حسب طبيعة المبادرة والأهداف المرجوة منها، ومن هنا يمكن الحديث عن أهم هذه المبادرات المتمثلة في الدبلوماسية الاقتصادية. 

فإن تبني تنفيذ الجهات المختصة لمبادرة الدبلوماسية الاقتصادية بمسارتها المتعارف عليها كما كوضحة بالشكل أدناه، سيكون له أثر بيناً وفعالاً على الدولة؛ الأمر الذي سينعكس إيجاباً على المجتمع، باعتبار أن المواطن هو الجوهر والمحور الأساس في نطاق الدبلوماسية الاقتصادية، وبذلك يكون المفهوم العام لمصطلح الدبلوماسية الاقتصادية ما هو إلا مفهوم مبتكر للعمل الدبلوماسي باعتباره خليط متجانس من المضامين الواقعة في نطاق السياسة والعلاقات الدولية والاقتصاد مجتمعةً بغية تحقيق هدف مخطط له مسبقاً، وهذا ما أكده الباحث المغربي في علم الاقتصاد الدولي أمين ظفير في تعريفه (نصياً) للدبلوماسية الاقتصادية على أنها: “استخدام الجهاز الدبلوماسي لخدمة التنافسية الدولية والوطنية للدولة لتحقيق النمو الاقتصادي والتنمية ولزيادة القوة الاقتصادية”، كما عرفها الدبلوماسي الأكاديمي اللبناني السفير وسام كلاكش في كتابه المرجعي ( الدبلوماسية الاقتصادية في عصر العولمة) حيث نص على أنها الأدوات والتقنيات التي يستعملها اللاعبون الرسميون والخاصون من أجل خدمة المصالح الاقتصادية للدولة وحمايتها في المجال الدولي، ومن هنا تبرز أهمية الدبلوماسية الاقتصادية للشعوب من الناحية التنفيذية عبر إدراجها من ضمن أولويات الحكومات في العالم؛ باعتبارها أحد مصادر تحقيق الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية للشعوب في حال كانت وفق الخارطة الوطنية للأولويات.

تعتبر دولة ليبيا بعد ثورة فبراير- خاصةً بعد اندلاع الحرب بها من حين لآخر منذ 2014ميلادي – من أكثر الدول حجماً في عدد البرامج والأنشطة المنبثقة عن التعاون الفني والإنمائي مع الدول والمنظمات الدولية والإقليمية، وبالرغم من كثرة هذه الأنشطة والبرامج إلا أن شح البيانات والمعلومات يحول دون إجراء البحوث والدراسات حيالها بهدف التقييمات الوطنية والمقاييس الأدائية من الناحية الوطنية أسوة بالدول الأخرى المستفيدة من ذات قنوات التعاون.

 وبنوع من التحليل الظاهر للعيان فإن دولة ليبيا تفتقر وبشكل عام إلى وجود استراتيجية حقيقية بملكية وطنية للدبلوماسية الاقتصادية تلامس الواقع نتيجة جملة من العراقيل والمشاكل الداخلية الحادثة في الوطن، علاوة على إسناد مهمة إدارة التعاون مع المنظمات الدولية والإقليمية والدول – في الجانب الإنمائي – إلى جهة غير الجهة المختصة والمتمثلة في إدارة المنظمات الدولية بوزارة الخارجية والتعاون الدولي؛ الأمر الذي أدى إلى حدوث فجوة كبيرة في هذا الملف وخاصة في نطاق التوثيق الرسمي لهذه البرامج بالدولة الليبية،  وبالتالي هناك الكثير مما يتعين فعله في ظل القيادة الجديدة لحقيبة الخارجية والتعاون الدولي، كأولوية إعادة النظر في الاختصاصات الهيكلية في الدولة الليبية المنوطة بالتعاون الفني مع المنظمات الدولية والإقليمية، وكذلك مع الدول الصديقة والشقيقة وإرجاعها لقالبها الرسمي في إدارة المنظمات الدولية والإقليمية بوزارة الخارجية والتعاون الدولي، ودعم كادرها الإداري والفني بأعلى مستويات بناء وتأهيل القدرات التنفيذية بما يتوافق مع منظومة الدعم والمساندة والتطلعات المنظمة للمشاريع الدولية المشتركة بمختلف أشكالها ومستوياتها.

وتعتبر عمليات الدعم والمساندة الفنية أو المالية للبرامج والأنشطة الحكومية وغير الحكومية والمجتمعية جسر من جسور التعاون الفني وقناة رسمية لتحقيق المكتسبات والأهداف الوطنية إن اُستغلت بالشكل الصحيح من منظور الإطار الرسمي للدولة تفادياً للمخاطر الحادثة نتيجة الفوضى أو تعدد قنوات التعاون أو تغيير مسارها لغير مصالح البلاد. 

ولهذا فإن إدارة ملفات التعاون الفني عبر نافذة الدبلوماسية الاقتصادية خاصة ما يتعلق منها بالتعاون الإنمائي، وكذلك التنمية المستدامة تحتاج إلى إعادة ضبط أو بشكل أدق تحتاج إلى تغيير جذري في المفاهيم والأدوات التقليدية المتعارف عليها؛ لإمكانية تحسين العائد من التعاون المشترك والاستفادة منه في نقل المعرفة وإعمام الخير على المستوى الوطني، كما نحتاج في هذا الصدد إلى عمل مشترك وتنسيق عال بين القطاعات والمكونات المتنوعة ذات العلاقة وفق دراسات وأبحاث مهنية وعلمية بالخصوص.

وبالرغم من عدم وجود خارطة للمشاريع الإنمائية الدولية بملكية وطنية ولا وجود لرؤية أو استراتيجية معلنة من قبل الحكومة الليبية حيال أركان الدبلوماسية الاقتصادية إسوة بالدول الاخرى، إلا أن إعادة ترتيب هذا الملف يتطلب توحيد الجهود المبعثرة والاختصاصات المتضاربة والتفكير بجدية لتأسيس منظومة متكاملة لتنظيم الأولويات المنبثقة عن الدبلوماسية الاقتصادية وخاصة محور التعاون الدولي الإنمائي وما تتطلبه المرحلة من استحقاقات نتيجة الأزمات الحالية.

ونحن نستشعر ونترقب عن كثب جملة من الإجراءات التي ستتخذها السلطات الجديدة المعنية في ليبيا كخطوات تصحيحية وفاعلة تعمل على توحيد الجهود المبعثرة وتصحح مسار الدبلوماسية الاقتصادية وتنادي حدوث الاخطاء السابقة مستقبلاً عبر تبني نظم حوكمة ملائم للنهوض بالوطن عبر نافذة الدبلوماسية الاقتصادية.

 

 

 

 

شاهد أيضاً

ناسا ترصد حقل غامض على المريخ

هلا كندا – وكالات – تمكنت مركبة كيوريوسيتي التابعة لوكالة ناسا، أثناء بحثها عن علامات …