“نشر موقع العهد:
في كل مرّة يُفتح فيها ملف غلاء الأسعار، يُسارع تُجار كثر الى رمي كل أوزارهم على ارتفاع سعر صرف الدولار. طبعًا لا أحد يُنكر الأثر البالغ لارتفاع سعر صرف الدولار على أسعار السلع طالما أنّ اقتصاد لبنان “مدولر”، إلا أنّ المستغرب يكمن في السؤال الآتي:”لماذا ترتفع أسعار السلع كلما تحرّك سعر الصرف بضع ليرات ولا تنخفض عندما ينخفض سعر الصرف بالآلاف؟”. الإجابة على هذا السؤال تحمل في طياتها الكثير من الإشارات السلبية في بلد يُفتح فيه السوق على كافة أنواع الإحتكارات. في بلد يُترك فيه العنان للكارتيلات لجعل الأسعار فالتة من عقالها، وفي بلد يشكو فيه مواطنون من غياب وزارة الإقتصاد عن السمع. تلك الوزارة التي تعرّف عن نفسها على صفحتها الإلكترونية بالإشارة الى أن من مهامها “مراقبة الأسعار ومكافحة الاحتكار واتخاذ التدابير التي تؤمّن المنافسة التجارية على أوسع نطاق تأمينًا للمصلحة الاقتصادية العامة وبصورة خاصة حماية المستهلك”.
وخلافًا للمهام التي تعرّف فيها وزارة الإقتصاد عن نفسها، يسأل مواطنون كُثر عن فعالية وزارة الإقتصاد بينما الإحتكارات لا تترك مجالًا “يعتب” عليها. وبالموازاة، يشكو معنيون في الوزارة من قصر اليد وقلّة الحيلة وسط قلّة عديد المراقبين. هذه الحجّة تسقط بنظر كثر يعتبرون أنّ وجود وزارة الإقتصاد على الأرض بشكل فعلي وعملي لا استعراضي كفيل بكبح جماح الإحتكار الفاحش الذي نشهده. برأيهم، لو كان هناك نيّة وخطّة محكمة للدفاع عن المواطنين لما تجرأ التجار وذهبوا بعيدًا في رفع الأسعار.
وزير الإقتصاد يكتفي بالبيان
لدى سؤال وزير الإقتصاد في حكومة تصريف الأعمال راوول نعمة عن دور الوزارة في سياق ضبط الأسعار وإجبار التجار على خفض أسعار السلع عند انخفاض سعر صرف الدولار يكتفي بالإشارة الى البيان الذي أصدره أمس الإثنين والذي طلب فيه من المستوردين وأصحاب المؤسسات التجارية خفض الأسعار بأقصى سرعة وبشكل ملحوظ قبل صباح اليوم الثلاثاء كحدٍ أقصى”.
وفي حديثه لموقع “العهد” الإخباري، يرفض نعمة إضافة أي جديد على بيان الأمس، طالبًا ردًا على سؤال تزويده باسم التاجر الذي لا يلتزم بخفض الأسعار.
نعمة: دور الدولة ضعيف.. والمطلوب التدقيق بالفواتير وتصحيح الأسعار
نائبة رئيس جمعية حماية المُستهلك ندى نعمة تؤكّد في حديث لموقعنا أنّه ومع انخفاض سعر صرف الدولار لم نلاحظ أي انخفاض بأسعار السلع ما يشير الى “جشع” التجار الذين يسارعون الى إقفال محالهم التجارية في اليوم نفسه الذي يرتفع فيه سعر صرف الدولار. وفق نعمة، هذا الإقفال مخالف للقانون اذ لا يحق إقفال منشأة وهنا يبرز دور الدولة الضعيف والوزارات التي يجب أن تمنع حصول هذا الأمر -تقول نعمة- حيث يسارع التجار الى تغيير الأسعار ورفعها مع العلم أنهم اشتروها وفق الفاتورة القديمة.
أما عندما ينخفض سعر صرف الدولار فيتذرع التجار بأنهم اشتروا على السعر العالي. وعليه لا يخفضون الأسعار بل يضاعفون أرباحهم، وهنا يأتي دور الدولة بحسب نعمة في التدقيق بالفواتير وتصحيح الأسعار لا أن تقول للتاجر شفهيًا يجب أن تخفض الأسعار. المواطنون لم يتعلّموا تطبيق القوانين واذا لم يراقب ويتابع ويحاسب المعنيون بالتأكيد ستبقى الأسعار عالية.
عكوش: عملية الرقابة سهلة جدًا
الخبير الإقتصادي الدكتور عماد عكوش يرسم في حديث لموقع “العهد” الإخباري خارطة طريق لعمل وزارة الإقتصاد. برأيه، يُفترض أن تطلب هذه الوزارة من مصرف لبنان عبر مصلحة حماية المستهلك جداول بأسماء المستوردين الذين يستفيدون من منصة “صيرفة”، تمامًا كما فعل وزير الصحة وطلب جداول من مستوردي الأدوية الذين يستفيدون من الدعم. وفق قناعاته، فإن عملية الرقابة سهلة جدًا -إن وجدت النية-، فكلنا نعلم أنّ عدد “السوبر ماركت” المعروفة والكبرى في لبنان لا يتجاوز العشرة، وعليه تستطيع وزارة الإقتصاد بعشرة مراقبين فقط مراقبة الأسعار. وفق تقديره، نحتاج مراقب واحد في كل “سوبر ماركت” حيث يذهب المراقب الى الفرع الرئيسي ويراقب التسعيرات الموجودة ويقارنها مع فاتورة الاستيراد. بهذه العملية، يتمكّن المراقب من مراقبة كافة الفروع مرةً واحدة نظرًا لارتباطها بـ”سيرفر” واحد.
لا يوجد أي رقابة من وزارة الاقتصاد
ويشدد عكوش على أن التجار يُسعّرون السلع منذ نحو أسبوع وفقًا لسعر صرف 25 ألف ليرة للدولار الواحد. برأيه، فإنّ الأسعار يجب أن تسعّر بالحد الأقصى وفق السوق السوداء أي 19 ألف ليرة. ولكن للأسف -يضيف عكوش- لا يوجد أي رقابة من وزارة الاقتصاد على تسعير السلع الاستهلاكية. العملية متروكة للمستوردين وهذا ما لا يحصل الا في لبنان حيث تجتمع الكارتيلات وتحدد الأسعار وتراقب وتحاسب نفسها بدل أن تقوم وزارة الاقتصاد ومصلحة حماية المستهلك بالمهمة.
القيمة الحقيقية لسعر صرف الدولار بحسب مؤشر “بيغ ماك” نحو 6000 ليرة
وفي سياق آخر، يتطرّق عكوش الى الانخفاض والارتفاع الحاصل بسعر صرف الدولار. يوضح أنّ لدى لبنان كتلة نقدية موجودة في السوق بالغة 40 ألف مليار ليرة. هذه الكتلة اذا ما قاربناها مع سعر صرف الدولار الذي يفوق أحيانًا الـ20 ألف ليرة فلا تبلغ الملياري دولار، بينما في المقابل لدينا كتلة كبيرة من الدولار في السوق تتجاوز قيمتها الـ15 مليار دولار. هذه الكتلة تتحرك صعودًا وهبوطًا بحسب الأجواء السياسية خصوصًا أن القيمة التجارية للدولار ليست 20 ألفا ولا 23 ألفا، اذ وبحسب مؤشر “بيغ ماك” الذي تعتمده مجلة “إيكونوميست” فإنّ سعر الليرة بحدود الـ30 بالمئة من قيمتها الحقيقية بمعنى أن الليرة جرى تقييمها انخفاضًا بأكثر من قيمتها بحدود الـ70 بالمئة، وعليه يبلغ السعر الاقتصادي لسعر صرف الدولار بحسب المؤشر نحو 6000 ليرة.
لذلك، عندما يحدث أي مؤشر إيجابي في السياسة وتتحسن الظروف السياسية تخف العوامل السياسية المؤثرة في سعر الصرف الذي ينخفض. وعليه -يقول عكوش- طالما الأجواء إيجابية بالسياسة معناها أننا ذاهبون باتجاه الوصول الى سعر أقرب للسعر الاقتصادي، وهذا متوقّع في حال حدثت أجواء إيجابية أكثر لناحية تأليف الحكومة ونيلها الثقة وإجراء الإصلاحات.
مصرف لبنان يتصرّف بشكل خاطئ جدًا
ويشدد عكوش على أنّ الكتلة النقدية بالدولار والليرة تستخدم اليوم في المضاربات بالسوق ما يحرك سعر الصرف صعودا وهبوطا وبأرقام كبيرة تتخطى الخمسة آلاف ليرة أحيانا، وهذا أمر غير مقبول بأي اقتصاد في العالم. برأي عكوش، فإنّ هذا الأمر ناتج عن أنّ مصرف لبنان يتصرّف بشكل خاطئ جدًا حيث يستقيل من مهمته التي تحتّم عليه المحافظة على استقرار سعر الصرف بحسب قانون النقد والتسليف. أكثر من ذلك، يلفت عكوش الى ما تم تداوله عن تدخل مصرف لبنان الأسبوع الماضي في السوق عبر شراء كمية من الدولارات الأمر الذي سيرفع -ان كان صحيحًا- سعر صرف الدولار لأنه سيرفع الطلب عليه عبر زيادة الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية.