يتورط ناشرون ومتابعون على منصات التواصل الاجتماعي بقضايا جنائية يجرمها القانون بسبب منشورات أو تعليقات غير محسوبة، وذلك لعدم معرفتهم بالقوانين الضابطة لفوضى النشر على «سوشيال ميديا».
وحدد محامون 13 سلوكاً من الأكثر انتشاراً على وسائل التواصل الاجتماعي يعرض صاحبه للمساءلة القانونية، مشيرين إلى أن استخدام فضاء النشر أونلاين (للكتابة أو التعليق أو إعادة التغريد) بات يحتاج إلى توعية المجتمع بالقانون من خلال شرح بنوده وتسليط الضوء عليها إعلامياً لتصل إلى أكبر شريحة من الجمهور.
الحبس والغرامة
وأوضح المستشار القانوني أيهم المغربي أن القانون الاتحادي رقم 5 لعام 2012 لمكافحة الجرائم الإلكترونية وتعديلاته ينص على العديد من الانتهاكات التي يعاقب عليها بالحبس والغرامة أو السجن والغرامة، موضحاً أنه في التعريف القانوني يختلف مصطلح الحبس عن السجن، فالأولى عقوبة مقررة في الجنح وتراوح من يوم إلى 3 سنوات، والثانية عقوبة مقررة في الجنايات وتراوح من 3 سنوات إلى المؤبد.
وذكر أن 13 سلوكاً من الأكثر انتشاراً على وسائل التواصل الاجتماعي يعرض صاحبه للمساءلة القانونية أولها السب أو الإهانة أو القذف أو اتهام شخص آخر بما يعرضه للازدراء من قبل الآخرين، والثاني هو انتهاك خصوصية أي شخص عن طريق التسجيل أو نقل أو الكشف عن المحادثات بالصوت والصورة.
وبين المغربي أن السلوك الثالث هو تصوير شخص أو التقاط أو نقل أو حفظ الصور على الأجهزة الإلكترونية دون إذن صاحبها، ورابعاً نشر الأخبار والصور الإلكترونية والمشاهد والتعليقات بصورة غير مشروعة حتى لو كانت حقيقية وصحيحة.
أما التصرف الخامس فهو نشر معلومات على شبكة معلوماتية أو إحدى وسائل تقنية المعلومات للترويج أو التحبيذ لأي برامج أو أفكار من شأنها إثارة الفتنة أو الكراهية أو العنصرية أو الطائفية أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلم الاجتماعي أو الإخلال بالنظام العام أو الآداب العامة.
وحدد المغربي الابتزاز في البند السادس، أو تهديد شخص لإجباره على ارتكاب جناية أو التورط في المسائل المخلة بالشرف أو الآداب العامة، يليها سابعاً إرسال أو نشر أو إعادة نشر عن طريق الشبكة المعلوماتية مواد إباحية، وكل ما من شأنه المساس بالآداب العامة.
وثامناً بحسب المغربي، يأتي الإغراء أو المساعدة أو تحريض شخص آخر على ممارسة البغاء أو الفجور، ويليها تاسعاً نشر معلومات على الشبكة المعلوماتية أو وسيلة تقنية معلومات أخرى للدعوة أو الترويج لجمع التبرعات بدون ترخيص معتمد من السلطة المختصة.
وأضاف أن التصرف العاشر هو نشر أو بث معلومات أو أخبار أو رسوم كرتونية أو أي صور أخرى، من شأنها تعريض أمن الدولة ومصالحها العليا للخطر أو المساس بالنظام العام، ومن ثم نشر معلومات أو أخبار أو بيانات أو إشاعات على موقع إلكتروني أو أي شبكة معلوماتية أو وسيلة تقنية معلومات بقصد السخرية أو الإضرار بسمعة أو هيبة أو مكانة الدولة أو أي من مؤسساتها.
وأوضح أن الدعوة أو التحريض عن طريق نشر معلومات على الشبكة المعلوماتية أو وسيلة تقنية معلومات لعدم الانقياد إلى القوانين والأنظمة المعمول بها في الدولة هي التصرف الثاني عشر الذي يمكن أن يعرض الفرد للمساءلة، وأخيراً الإساءة إلى أحد المقدسات أو الشعائر الإسلامية.
وفصل المغربي البند الأخير مبيناً أنه يتفرع للإساءة إلى أحد المقدسات أو الشعائر المقررة في الأديان الأخرى متى كانت هذه المقدسات والشعائر مصونة وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية، كما سب أحد الأديان السماوية المعترف بها، أو تحسين المعاصي أو الحض عليها أو الترويج لها.
وتابع: الجريمة إذا تضمنت إساءة للذات الإلهية أو لذات الرسل والأنبياء أو كانت مناهضة للدين الإسلامي أو جرحاً للأسس والمبادئ التي يقوم عليها، أو ناهض أو جرح ما علم من شعائر وأحكام الدين الإسلامي بالضرورة، أو نال من الدين الإسلامي، أو بشر بغيره أو دعا إلى مذهب أو فكرة تنطوي على شيء مما تقدم أو حبذ لذلك أو روج له، فيعاقب بالسجن مدة لا تزيد على 7 سنوات.
الإبلاغ عن الجريمة
وأفاد المحامي سعيد عبدالله بأن ضبط العبث والفوضى في وسائل التواصل الاجتماعي والحد منها يحتاج إلى توعية المجتمع بالقانون من خلال شرح بنوده وتسليط الضوء عليها إعلامياً لتصل إلى أكبر شريحة من الجمهور.
وأوضح أن المشرع حرص على أهمية دور أفراد المجتمع في مواجهة الجرائم لحين الإبلاغ عنها، إذ حث الجميع على الإبلاغ عن الجرائم بأية وسيلة إلى النيابة العامة أو أحد مأموري الضبط القضائي، حسب المادة (377) من قانون العقوبات الاتحادي، التي نصت على أنه «لا جريمة في إبلاغ السلطات القضائية أو الإدارية بحسن نية بأمر يستوجب مساءلة فاعله».
وأكد أن أكثر حالات إعادة النشر على منصات وشبكات التواصل الاجتماعي، يمكن أن تعرض صاحبها للمساءلة كشريك جنائي مع الشخص الذي نشر المقطع في البداية، مؤكداً أن الجهات المختصة قادرة على الإمساك بأي شخص متخفٍّ وراء شاشة الحاسوب أو الهاتف باسم حساب مستعار.
وقال: «من الممكن أن يكون الشخص صاحب مقطع الفيديو الذي تم التشهير به بريئاً، أو تم فهم تصرفه بشكل خاطئ، أو فبرك أحد الأشخاص مقاطع فيديو له بقصد الإساءة له والتشهير به، وفي هذه الحالة بإمكان الشخص المتضرر اللجوء للقضاء لرفع قضايا ضد كل من شارك بنشر تلك الفيديوهات التي شهرت به على وسائل التواصل الاجتماعي».
تعدٍ على الخصوصية
وقال المحامي والباحث القانوني خالد المازمي إن النشر على مواقع وحسابات التواصل الاجتماعي يكون وفق ضوابط قانونية عدة أبرزها عدم التعدي على خصوصيات الآخرين عبر نشر معلومات شخصية عن حياة أفراد المجتمع أو مؤثري مواقع التواصل الاجتماعي أو شخصيات اعتبارية ومرموقة بالمجتمع حتى لو كانت هذه المعلومات صحيحة فإن ناشرها يقع تحت طائلة المساءلة وفقاً لقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات التي تنص المادة رقم 21 منه على أنه يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر والغرامة التي لا تقل عن 150 ألف درهم ولا تجاوز 500 ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من استخدم شبكة معلوماتية، أو نظام معلومات إلكتروني، أو إحدى وسائل تقنية المعلومات، في الاعتداء على خصوصية شخص في غير الأحوال المصرح بها قانوناً بطرق عدة أبرزها نشر أخبار أو صور إلكترونية أو صور فوتوغرافية أو مشاهد أو تعليقات أو بيانات أو معلومات ولو كانت صحيحة وحقيقية، مضيفاً «تشمل هذه العقوبة كلاً من التقاط صور الغير أو إعداد صور إلكترونية أو نقلها أو كشفها أو نسخها أو الاحتفاظ بها».
وتابع: «تنص المادة المشار إليها على أنه يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة واحدة والغرامة التي لا تقل عن 250 ألف درهم ولا تجاوز 500 ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من استخدم نظام معلومات إلكتروني، أو إحدى وسائل تقنية المعلومات، لإجراء أي تعديل أو معالجة على تسجيل أو صورة أو مشهد، بقصد التشهير أو الإساءة إلى شخص آخر، أو الاعتداء على خصوصيته أو انتهاكها».
وأشار المازمي إلى أن من أساء للدولة أو قراراتها عبر نشر معلومات غير صحيحة تضر بالمصالح العامة وتتسبب في زعزعة الأمن بين أفراد المجتمع أو تحرضهم على عدم الانقياد للقوانين الصادرة من الحكومة كالانتقادات التي صدرت أخيراً من قبل بعض الأشخاص حول تطبيق الإجراءات الاحترازية للحد من انتشار فيروس كوفيد-19، عبر نشرهم مقاطع فيديوهات على حسابات «سوشيال ميديا» يبدون آراء خاطئة ومخالفة للقانون تجاه القرارات السيادية، وهؤلاء تتخذ الإجراءات القانونية ضدهم وفقاً للمادة رقم 31 من ذات القانون والتي تنص على أنه يعاقب بالحبس والغرامة التي لا تقل عن 200 ألف درهم ولا تجاوز مليون درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من دعا أو حرض عن طريق نشر معلومات على الشبكة المعلوماتية أو وسيلة تقنية معلومات إلى عدم الانقياد للقوانين والأنظمة المعمول بها في الدولة.
نشر الشائعات
وذكر المحامي سيف الشامسي، أن الشائعات تعتبر وفق القانون بلاغات كاذبة، يعاقب مروجوها بالسجن لمدة تصل إلى 10 سنوات، خاصة إذا تعلقت بأمن الدولة، لافتاً إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد مروجي الأخبار والمعلومات الكاذبة، التي من شأنها الإضرار بمصالح الوطن، والعبث بأمنه.
وأوضح «نصت المادة 198 من قانون العقوبات الاتحادي، على أنه يعاقب بالحبس كل من أذاع عمداً أخباراً أو بيانات أو شائعات كاذبة أو مغرضة أو بث دعايات مثيرة إذا كان من شأن ذلك تكدير الأمن العام أو إلقاء الرعب بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة».
وأضاف «في حال نشر أحد الأشخاص عبر حساباته بـ(السوشيال ميديا) معلومات خاطئة أو مضللة عن أشخاص أو أموراً تتعلق بقرارات عامة، وكتب المتابعون له تعليقاً يؤيد محتوى المنشور فهؤلاء الأشخاص يعتبرون شركاء وتقع عليهم نفس العقوبة المقررة على الفاعل الأساسي»، متابعاً «في حال نشر شخص على حسابه بأحد مواقع التواصل الاجتماعي «بوست» أو مادة نصية مكتوبة تتضمن معلومات غير صحيحة وكان مصدرها وسيلة إعلامية أو صحيفة رسمية فيعتبر شريكاً في نشر هذه المعلومات ويحاسب بنفس العقوبة الواقعة على المصدر الأساسي على الرغم من ذكره لمصدر المعلومات عند نشرها، إذ يجب عليه التأكد من صحة المعلومات قبل الترويج لها».
نقد ذاتي
وقال الإعلامي والمؤثر على مواقع التواصل عبدالله بن دفنا: «إن وجود الضوابط القانونية أمر هام لتنظيم عملية النشر في حسابات (سوشيال ميديا)، إلا أن (النقد الذاتي) هو أهم صفة يجب أن يتحلى بها أي شخص عند عمل حساب على هذه المواقع، فالشعور بمسؤولية الكلمة وتقدير أبعاد التأثير للمحتوى قبل نشره من الأمور التي تجنب الناشر أو صاحب الحساب المساءلة القانونية، كون هؤلاء الأشخاص يمثلون أنفسهم ويعكسون صورة المجتمع الذي يعيشون فيه، لذا عليهم احترام العادات والتقاليد والضوابط العامة، منوهاً بدور الجهات المعنية بإلزام المؤثرين ومشاهير التواصل الاجتماعي بالحصول على رخصة للإعلانات، والضرب بيد من حديد بحق المخالفين لضوابط النشر».
ولفت إلى أن بعض مؤثري التواصل الاجتماعي يسعى إلى تغليب مصالحه الشخصية على المصلحة العامة فيكون هدفه الرئيسي من النشر هو تحقيق أكبر عدد من المتابعين وعمل إعلانات تضمن له عائداً مادياً جيداً.
إثارة الجدل
وشدد المؤثر على مواقع التواصل الاجتماعي قاسم المرشدي، على ضرورة التأكد من صحة المعلومات قبل نشرها على أي حسابات في العالم الافتراضي بحيث لا يخالف لضوابط النشر القانونية التي يجب أن يكون مطلعاً عليها ومتابعاً للقرارات المحدثة الصادرة بخصوصها، فبمجرد نشره لأي معلومة أو محتوى أصبح هو من يتحمل مسؤوليته حتى لو تولى حذفه لاحقاً من الحساب الخاص به، لافتاً إلى أهمية أن يرجع صاحب الحساب للمصدر الحقيقي للمعلومة أو الجهة المعنية للتأكد من صحتها قبل النشر حتى يخلي طرفه من المسؤولية القانونية التي قد تقع عليه لاحقاً، لا سيما أن الهدف الرئيسي للنشر أضحى اليوم هو إثارة الجدل وحصد أكبر عدد من المتابعين وليس للتوعية.
قوانين العالم الافتراضي
وأوضحت المواطنة أمل صعب أن مشاركة الرأي أو المعلومات عبر شبكات التواصل الاجتماعي مسؤولية تقع على عاتق صاحب الحساب، وكما عليه أن يصون لسانه أثناء الحديث أمام الآخرين في الأوساط الاجتماعية والأماكن العامة، عليه أن يكون واعياً ومسؤولاً عن كل ما يصدر عنه في مواقع التواصل الاجتماعي.
ولفتت إلى أن بعض الأشخاص لا يعون حقاً معنى حرية التعبير، فتكون الإساءة أو نشر الإشاعة هي الوسيلة التي يعتقدون أنهم يمارسون حريتهم من خلالها في مشاركتها مع الآخرين، في حين أن التعبير الصحيح يكون خلف الشاشات الذكية وأمامها سواء، باستخدام ألفاظ مناسبة وتخير الموضوعات التي يعرف أصلها ويكون متأكداً من مدى صحتها والنقد البناء وليس الهدام وغير النافع.
وأكدت أن بعض ما يتم تداوله على سبيل المثال من معلومات صحية مغلوطة يمكن أن تؤذي الآخرين جسدياً وتفاقم حالتهم، خاصة في الأوقات الحرجة مثل جائحة فيروس كورونا، التي بات فيها تداول طرق خطأ للعلاج ونصائح غير صحيحة مبينةً أن المسؤولية ليست فقط في عدم التعدي على الآخرين بل تمتد لدرء الأذى عنهم حتى لو كان الأمر نابعاً من حسن النوايا.
مصادر المعلومات
وأفاد الموظف محمد نشأت بأن غالبية المواقع على الإنترنت تشترط أن يكون مستخدمها متجاوزاً لسن محدد يكون فيه قادراً على الفهم ولديه وعي تجاه تصرفاته في الحياة، ليكون بالتالي تحت المساءلة القانونية في حال خالف شروط استخدام الموقع أو قام بإساءة استخدامه كما عليه أن يعرف مصادر المعلومات التي يشاركها على كافة الأصعدة إن كانت تتعلق بالتعليم أو الصحة أو الاقتصاد وغيرها، كما أن بعض الأخبار الكاذبة التي يتم تداولها عن ضحايا مثلاً تكون مؤلمة لأهاليهم ومروعة لمن يشاع عنه أنه توفي أو أصيب مثلاً ويكون الغرض من هذه الأخبار هو جمع مشاهدات والشهرة.
وأضاف أن بعض المستخدمين يعتقدون أنه باستخدام حسابات وهمية لا تحمل اسماً أو صورة، يكون من الصعب تعقبهم والتعرف على هويتهم الحقيقية، وهذا خطأ، فمعرف الاستخدام هو الهوية الحقيقية التي لا يمكن تزويرها وهي التي تدل على صاحب الحساب حتى ولو كان من خارج الدولة.
ولفت المواطن محمد البلوشي إلى أن فوضى الإشاعات باتت السمة الأساسية لمواقع التواصل الاجتماعي، وللأسف هناك من يصدقها ويتداولها دون بحث أو تدقيق في مدى دقتها، وهو ما ينعكس سلباً على المجتمعات بأكملها، ففي السابق كانت الأفكار الهدامة أو الإشاعات المغرضة تنتقل عبر مجالس أو أفراد، ولا تلقى صدى كبيراً في معظم الأحيان ويمكن إسكاتها حين تتعلق بخصوصية الأفراد أو سمعتهم، أما اليوم عبر سوشيال ميديا أصبح مداها أبعد ومتاحة أمام الملايين.
وقال: «نشهد عبر وسائل التواصل الاجتماعي تحريفاً للوقائع وتزويراً للصور ولا يمكن للشخص العادي الوصول إلى مصدر الإشاعة لتكذيبها، كما أتاحت المجال لتشويه السمعة أو المساس بكرامة الآخرين والشخصيات الاعتبارية إلى جانب تحريف الأخبار وبث الذعر من خلف الشاشات دون التمكن من وضع حد لها إلا عبر القانون.. لذا أرى أن يتم فرض قوانين صارمة على استخدام هذه المواقع.. خاصة وأنها أصبحت جزءاً من حياة كل فرد ولا مفر من تجنب استخدامها».